14 أكتوبر 2024

هل تعلم ما معنى قوله تعالى “بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان”

هل تعلم ما معنى قوله تعالى “بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان”

نظرةٌ عامّةٌ في سورة الحجرات

سورة الحجرات هي سورةٌ مدنيّةٌ، نزلت في المدينة بإجماع الصّحابة، بدأت بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا)، وعدد آياتها ثماني عشرة آيةً، وترتيبها بين سُوَر المصحف التّاسعة والأربعون على التّوالي، وتُسمّى بسورة الآداب.

 وقد نزلت سورة الحجرات على عدّة مراحل؛ وذلك حسب الحوادث التي حصلت، والتي جاءت السّورة لبيانها وإيرادها؛ حيث كان مضمون السّورة عامّةً يدور حول ضرورة التأدُّب في الحوار؛ خصوصاً مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، واجتناب التّنابُز بالألقاب.

 انفردت سورة الحجرات بالعديد من الآداب الجليلة التي أدَّب الله سبحانه وتعالى بها عباده الصّالحين؛ في معاملتهم مع رسوله محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم من توقيرٍ وتبجيلٍ. قال بعض العلماء: (كانت العرب في جفاءٍ وسوء أدبٍ عند خطابهم مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم)؛ فسورة الحجرات فيها الأمر بمكارم الأخلاق، ورعاية الآداب، ومن هنا جاء سبب تسميتها بسورة الآداب،وفيما يأتي بيانٌ لسبب نزول الآية.


سبب نزول آية “بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَان”

 قيل إنّ هذه الآية نزلت في الصحابيّ الجليل ثابت بن قيس رضي الله عنه، حين سأل شخصاً: من أنت؟ فقال: أنا ابن فلان، فقال ثابت: أنت ابن فُلانة ـ يُريد تعييره بأمّه- فخجل الرّجل؛ لأنّه كان يُعيَّر بها في الجاهليّة.

 وعن ابن عبّاس رضي الله عنه قال: إنّها نزلت في صفيّة بنت حيي بن أخطب؛ حيث رُوِي أنّه: (بلَغ صفيَّةَ أنَّ حَفصةَ قالت لها: ابنةُ يهوديٍّ، فدخَل عليها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهي تبكي، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وما يُبكيكِ؟ قالت: قالت لي حَفصةُ: إنِّي بنتُ يهوديٍّ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّكِ لَابنة نَبيٍّ، وإنَّ عمَّكِ لَنَبيٌّ، وإنَّكِ لَتحتَ نَبيٍّ، فبِمَ تفخَرُ عليكِ؟ ثمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اتَّقِ اللهَ يا حَفصةُ).


تفسير آية (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ)

 قال تعالى مُخاطِباً المؤمنين خاصّةً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، هذه الآية عظيمةٌ في بابها وموضوعها، وقد مرَّ سابقاً أنّ سورة الحجرات سُمِّيت بسورة الآداب، وذُكر سببُ تسميتها بذلك، وهذه التّسمية تتّضح جليّاً في هذه الآية الكريمة؛ فهي مغمورةٌ بالآداب المُحمّديّة، والخِصال الحسنة التي دعا إليها الإسلام، وما زال يدعو، وجاء في تفسير هذه الآية ما يأتي:


عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ

ينهى الله سُبحانه وتعالى المؤمنين عن أن يستهزئ بعضهم ببعضٍ، وعلّل هذا النّهي بقوله: (عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ)؛ أي: أن يكون المسخور بهم عند الله خيراً من السّاخرين بهم، وحيث إنّ لفظ القوم مختصٌّ بالرّجال؛ لأنهم القُوَّمُ على النّساء، فقد أفرد الله النساء بالذِّكْر، فقال: (وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ)؛ أي: ولا تسخر نساءٌ من نساءٍ عسى أن تكون المسخورات بهنّ خيراً منهنّ؛ يعني خيراً من السّاخرات منهنّ، وقيل: أفردَ النّساء بالذّكر؛ لأنّ السُّخرية منهنّ أكثر.

 (وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ)

 اللَّمز: العيب، قال ابن جرير: (اللّمز باليد والعين واللسان والإشارة، والهمز لا يكون إلّا باللسان، ومعنى: (وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ)؛ أي لا يلمز بعضكم بعضاً).

قال مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير: (لا يطعن بعضكم على بعض)، وقال الضحّاك: (لا يلعن بعضكم بعضاً).

 (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ)

 التّنابُز: بمعنى التّفاعل، وهو مأخوذٌ من النّبْز بالتّسكين، والنَّبَز: اللّقَب، والجمع أنباز، والألقاب جمع لقب، وهو اسمٌ غير الذي سُمِّي به الإنسان، والمُراد هنا لقب السّوء، والتّنابز بالألقاب أي أن يلقّب بعضُهم بعضاً، قال الواحديّ: (قال المفسّرون: هو أن يقول لأخيه المسلم: يا فاسق، يا منافق، أو يقول لمن أسلم: يا يهوديّ، يا نصرانيّ).

وقال عطاء: (هو كلّ شيء أخرجت به أخاك من الإسلام، كقولك: يا كلب، يا حمار، يا خنزير).

 قال الحسن ومجاهد: (كان الرجل يُعيَّر بكفره، فيُقال له: يا يهوديّ يا نصرانيّ)؛ فنزلت هذه الآية، وإلى ذلك ذهب قتادة وأبو العالية وعكرمة.

(بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ) (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ)؛ أي: بئس الاسم الذي يُدعى به الرّجل، ويُذكّر بالفسق والكفر والمعصية بعد إيمانه، والاسم هنا بمعنى الذِّكر.

 قال ابن زيد: (أي بئس أن يُسمّى الرّجل كافراً أو زانياً بعد إسلامه وتوبته).

 وقيل: إنّ مَن فعل ما نُهِي عنه من السّخرية بالمسلمين، واللّمز، والنّبذ فهو فاسق.

 قال القرطبيّ: (يُستثنى من ذلك من غلب عليه الاستعمال في العادة، كالأعرج، والأعمى، والأعور، وغير ذلك، في حال لم يكن له سببٌ يجد في نفسه منه عليه، فذلك جائز عند الأئمّة، واتّفق على قول ذلك أهلُ اللّغة).

 (وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)

 من لم يتُبْ عمّا نهى الله عنه، فأولئك ظالمون؛ لارتكابهم ما نهى الله جلّ وعلا عنه، ولأنّهم امتنعوا عن التّوبة، فظلموا من لقّبوه بتلك الألقاب، وظلموا أنفسَهم بما جلبوه عليها من الإثم.

يمكنكم متابعة برامج قناة الانسان و الموقع نور الاسلام