مكانة المدوّنة في مذهب مالك
كتب تلاميذ مالك وتلاميذهم من بعدهم كتبا كثيرة سجّلت الفقه المالكي، اختصر أغلبها ابن الحاجب في جامع
الأمّهات. ولكنّ “المدوّنة” تميّزت بأنهّا هي التي عليها المعوّل. ثمّ أطلق عليها لفظ “الكتاب” فأصبح علما بالغلبة،
فإذا قيل “الكتاب” في مؤلّفات الفقه المالكي انصرف الذّهن إلى المدوّنة كما ينصرف في النحو إلى كتاب سيبويه.
وقد انتشر المذهب المالكي بفضل عاملين اثنين: الأوّل: بكتاب المدوّنة تمّ للمذهب المالكي قوّة الاستقرار والانتشار.
إذ أقبل الطلبة على سحنون يأخذون عنه مؤلّفه ويصلون إلى تعميق فهمهم لأنظار مالك بما كان يضفي على دروسه
من بيان يمكنّهم من مفاتيح الادراك للمنهج التشريعي العام والتفصيلي. وكثر الآخذون عنه كثرة قلّما حصلت لغيره.
كانوا يقولون سحنون أيمن عالم دخل المغرب، عُدّ له نحو سبعمائة رجل ظهروا بصحبته وانتفعوا بمجالسته.
أخلص للّه في طلب العلم من بداية أمره كما جاء في وصيّة البهلول بن راشد إلى علي بن زياد. وقد ساعده تعميره
ثمانين سنة، وكذلك ولايته للقضاء، فقد قدّم صورة من أفضل صور القضاء في الاسلام إشراقا في العدالة وتقريبا
للقضاء بين الناس وتجديدا في الاجراءات. والآخر: هو ما كان عليه معظم فقهاء المالكيّة من صلاح وتقوى، وبعد
عن أصحاب السلطة الذين بنى معظمهم سلطانه على القهر والحكم المطلق الذي لا يتقيّد إلا بما يحقّق له أكبر قدر
من النفوذ لاشباع رغباته ونزواته ورغبات حاشيته وأتباعه. فكان للمواقف الشجاعة في قول الحقّ، وعدم التهافت
على هؤلاء، والابتعاد عن مجالسهم، أثرها العميق في ثقة العامة بالفقهاء فاطمأنّوا إليهم في دينهم وقلّدوهم في
عقائدهم وفي أحكام العبادات والمعاملات. ولذلك عرف مذهب مالك من الانتشار بين القاعدة الشعبيّة سعة لم يبلغها
أيّ مذهب من المذاهب الأخرى في إفريقية.

More Stories
ن علامات الساعة وقوع ملحمة كبيرة بين المسلمين والروم بالشام
فلكيا… هذا موعد شهر رمضان
حكم بيع العملة الأجنبية بهامش ربح