9 سبتمبر 2024

ماهي قصة أهل الكهف ، وما فضل هذه السورة ؟

الكهف

السؤال :

كنت أتحدث مع والدي ، فأخبرني أن هناك سورة في القرآن تتحدث عن أهل الكهف ،

وأن لها فضلاً خاصاً . فهل بالإمكان أن تبينوا لي ما قصة أهل الكهف ،

وما فضل هذه السورة ؟

الجواب :

الحمد لله

تعريف

سورة الكهف سورة مكية ، عدد آياتها (110) آيات ، والكهف هو الغار في الجبل .

عدد قصص سورة الكهف

وقد تضمنت هذه السورة قصصا أربعة ، وهي قصة أصحاب الكهف ،

وقصة صاحب الجنتين ، وقصة موسى والخضر ، وقصة ذي القرنين .

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن فضلها أنه ( مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْف عُصِمَ مِنْ الدَّجَّالِ ) .

وعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْكِلاَبِىِّ قَالَ : ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ فَقَالَ :

( إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ ، وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ فَإِنَّهَا جِوَارُكُمْ مِنْ فِتْنَتِهِ )

فضل قراءتها

وورد في فضل قراءتها يوم الجمعة أيضا أحاديث أخر

وخلاصة قصة أصحاب الكهف أنها قصة شبان ( فتية ) فروا من قومهم خشية الفتنة في دينهم .

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في شأنهم :

” قال كثير من المفسرين والمؤرخين وغيرهم : كانوا في زمن ملك يقال له دقيانوس ، وكانوا من أبناء الأكابر ، واتفق اجتماعهم في يوم عيد لقومهم ،

فرأوا ما يتعاطاه قومهم من السجود للأصنام والتعظيم للأوثان ، فنظروا بعين البصيرة ، وكشف الله عن قلوبهم حجاب الغفلة ، وألهمهم رشدهم ، فعلموا أن قومهم ليسوا على شيء ،

فخرجوا عن دينهم ، وانتموا إلى عبادة الله وحده لا شريك له ” انتهى.

وقال الشيخ ابن سعدي رحمه الله :

” وهم فتية وفقهم الله ، وألهمهم الإيمان ، وعرفوا ربهم ، وأنكروا ما عليه قومهم من عبادة الأوثان ،

وقاموا بين أظهرهم معلنين فيما بينهم عقيدتهم ، خائفين من سطوة قومهم ، فقالوا :

رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا  أي : إن دعونا غيره .

شَطَطًا  أي : زورا وبهتانا وظلما .

هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا  الكهف /14 و 15.

فلما اتفقوا على هذا الأمر ، وعرفوا أنهم لا يمكنهم إظهار ذلك لقومهم ،

سألوا الله أن يسهل أمرهم فقالوا :  رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا  الكهف /10 .

فأووا إلى غار يسره الله غاية التيسير، واسع الفجوة ، بابه نحو الشمال لا تدخله الشمس ، لا في طلوعها ولا في غروبها ،

فناموا في كهفهم بحفظ الله ورعايته ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعا ، وقد ضرب الله عليهم نطاقا من الرعب على قربهم من مدينة قومهم ،

ثم إنه في الغار تولى حفظهم بقوله :  وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ  الكهف /18؛

وذلك لئلا تُبلي الأرضُ أجسادهم ، ثم أيقظهم بعد هذه المدة الطويلة :  لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ  ، وليقفوا في آخر الأمر على الحقيقة :

قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ  [الكهف : 19] إلى آخر القصة .

ففيها آيات بينات وفوائد متعددة :

ومنها : أن قصة أصحاب الكهف وإن كانت عجيبة ، فليست من أعجب آيات الله ؛ فإن لله آيات عجيبة وقصصا فيها عبرة للمعتبرين .

ومنها : أن من أوى إلى الله أواه الله ، ولطف به ، وجعله سببا لهداية الضالين ;

فإن الله لطف بهم في هذه النومة الطويلة ، إبقاء على إيمانهم وأبدانهم من فتنة قومهم وقتلهم ،

وجعل هذه النومة من آياته التي يستدل بها على كمال قدرة الله ، وتنوع إحسانه ، وليعلم العباد أن وعد الله حق .

ومنها : الحث على تحصيل العلوم النافعة والمباحثة فيها ؛ لأن الله بعثهم لأجل ذلك ، وببحثهم ،

ثم بعلم الناس بحالهم ، حصل البرهان والعلم بأن وعد الله حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها .

ومنها : الأدب فيمن اشتبه عليه العلم أن يرده إلى عالمه ، وأن يقف عند ما يعرف .

ومنها : صحة الوكالة في البيع والشراء ، وصحة الشركة في ذلك ،

لقولهم :  فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ  .

ومنها : جواز أكل الطيبات ، والتخير من الأطعمة ما يلائم الإنسان ويوافقه ،

إذا لم تخرج إلى حد الإسراف المنهي عنه ، لقوله : فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ  .

ومنها : الحث [ على ] التحرز والاستخفاء ، والبعد عن مواقع الفتن في الدين ،

واستعمال الكتمان الذي يدرأ عن الإنسان الشر .

ومنها : بيان رغبة هؤلاء الفتية في الدين ، وفرارهم من كل فتنة في دينهم ،

وتركهم لأوطانهم وعوائدهم في الله .

ومنها : ذكر ما اشتمل عليه الشر من المضار والمفاسد الداعية لبغضه وتركه ،

وأن هذه الطريقة طريقة المؤمنين .

ومنها : أن قوله :  قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا  الكهف /21 ،

فيه دليل على أن هؤلاء القوم الذين بعثوا في زمانهم أناس أهل تدين ؛ لأنهم عظموهم هذا التعظيم حتى عزموا على اتخاذ مسجد على كهفهم ،

وهذا إن كان ممنوعا – وخصوصا في شريعتنا – فالمقصود بيان أن ذلك الخوف العظيم من أهل الكهف وقت إيمانهم ودخولهم في الغار أبدلهم الله به بعد ذلك أمنا وتعظيما من الخلق ،

وهذه عوائد الله فيمن تحمل المشاق من أجله أن يجعل له العاقبة الحميدة .

ومنها : أن كثرة البحث وطوله في المسائل التي لا أهمية لها لا ينبغي الانهماك به ، لقوله :

فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا  الكهف /22 .

ومنها : أن سؤال من لا علم له في القضية المسئول فيها ، أو لا يوثق به : منهي عنه ، لقوله :

وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا  الكهف/22. ” انتهى.

والله أعلم.