26 يوليو 2024

عقوق الأخت

عقوق الأخت

عقوق الأخت

الحمدُ للهِ خلَقَ الإنسانَ ولم يكنْ شيئًا مَذكورًا، صوَّره فأحسَنَ صورتَه فجعله سميعًا بصيرًا، أرسَلَ إليه رسلَه وأقامَ عليه حجَّتَه، وهداه السبيلَ إمَّا شَاكرًا وإمّا كفورًا، أحمَدُه -سبحانَه- حمداً موفوراً، وأشكرُه شكرَ من لم يرجُ من غيرِه جزاءً ولا شُكورًا.

وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له إنّه كانَ حليمًا غفورًا، وأشهد أنَّ سيِّدَنا ونبيَنا محمَّدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، بلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ وعبدَ ربَّه حتى تفطَّرت قدماه فكانَ عبدًا شكورًا، صلّى اللهُ وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه رجالٍ صدقوا ما عاهَدوا اللهَ عليه فكان جزاؤهم موفورًا، والتابعينَ ومن تبعَهم بإحسانٍ صلاةً وسلامًا وبركاتٍ دائماتٍ رَواحًا وبُكورًا.

ما بعد: وُلدَ موسى -عليه والسلام- في العامِ الذي يُقتلُ فيه أبناءُ بني إسرائيلَ، فخافتْ عليه أمُّه خوفاً شديداً، قالَ -تعالى-: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ * وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) [القصص:7-9].

هذا هو لُطفُ اللهِ -تعالى- بموسى -عليه السلام-، ولكن دعونا نعودُ لنرى الذي أصابَ أمَّه المسكينةَ: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا) من كلِّ شيءٍ إلا من ذِكرِ موسى، (إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ) أيْ: إِنْ كَادَتْ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِهَا وَحُزْنِهَا وَأَسَفِهَا لَتُظْهِر أَنَّهُ ذَهَبَ لَهَا وَلَدٌ وَتُخْبِر بِحَالِهَا، (لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا)، لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ ثَبَّتَهَا وَصَبَّرَهَا، (لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [القصص:10].

وهنا يأتي المشهدُ الذي يحتاجُ إلى تدبُّرٍ وتأملٍ منكَ أيها المؤمنُ: (وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ)، أَيْ: اِتَّبِعِي أَثَرَه وَخُذِي خَبَرَه وَتَطَلَّبِي شَأْنَه مِنْ نَوَاحِي الْبَلَدِ. والسُّؤالُ المُهمُ: لماذا أوكلتْ أمُّ موسى هذه المهمةَ الخطيرةَ لأختِه، وهي الفتاةُ الضعيفةُ، ولم تُرسلْ رجلاً من أهلِها ليبحثَ عن ابنِها في وسطِ هذا المجتمعِ القاتلِ الظالمِ؟ والجواب: لأنَّ الأمَّ تعلمُ أنَّه لا أحدَ أحنُّ ولا أرقُّ ولا أشفقُ ولا ألطفُ على هذا الطفلِ بعدَها من الأختِ، وصَدَقَتْ واللهِ!.

الأختُ هي الأمُّ الثانيةُ، وهي اليدُ الحانيةُ، هي الصَّداقةُ الحميمةُ، وهي الذِّكرياتُ القديمةُ؛ الأختُ تحبُّ أخاها وتتباهى بهِ، تُدافعُ عنه في غَيبتِه، وتنصحُ له في حضرتِه، فنجاحُه نجاحُها، وفشلُه فشلُها، وإن كانَ يمنعها أن تبوحَ بمشاعرِها حياءُ النِّساءِ، لكنّه أغلى إليها من الماءِ والهواءِ.

عقوق الأخت

المزيد نور الأسلام