الفرق بين كلمة ( إن شاء الله ) .. وكلمة ( بإذن الله )
الحمد لله
عل الفقه القديم قد أراح أصحابه الذين قالوا بالترادف بالقرءان (أي أن كلمات متعددة تحمل ذات المعنى) ،
لذلك فقد اختلت منظومة تفسير القرءان عند هؤلاء بينما الناس يظنون بأن الأقدمين هم أفضل من أقلت الأراضين.
فعلى سبيل المثال لم يفرق الفقه القديم بين الرؤية والنظر والبصر، ولا بين الزوج والبعل، ولا بين العاقر والعقيم،
ولا بين قيام الساعة ويوم القيامة، ولا فيما بينهما من جانب وبين تعبير (اليوم الآخر) من جانب آخر،
ولا بين العدل والقسط، ولا بين الأب والوالد، ولم يعير الأمر التفاتا عن متى نقول فنحن نقولهما معا وفي جملة واحدة،
وما ذلك إلا لفقدان أهل الإسلام الاهتمام الواجب عن متى نقول هذه ومتى ننشد تلك.
فكلمة إن شاء الله يطلقها المرء حين يكون له سعي أو مسئولية في الأمر، وآية ذلك نستخلصها من كتاب الله فيما أورده عن هذا التعبير،
فتجد أنه ما ورد ذلك التعبير إلا وتجد للجنس البشري فيه يد أو عمل أو مسئولية بينما تعبير (بإذن الله) لم يرد إلا ليدلل استحواذ الله على الأمر حتى وإن كان الفاعل بشرا أو المفعول به.
الفرق الثاني هو أن للعبد مشيئة، ولله مشيئة، ولا تبدأ مشيئة الله إلا بعد مشيئة العبد،
وفي ذلك يقول تعالى: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }الإنسان30؛
ولا تسبق مشيئة الله مشيئة العبد، لكن في تعبير بإذن الله فإن إذن الله يسبق ويقهر إرادة العبد.
المحتوى
وسنبدأ في سياحة قرءانية لإثبات تلك النظرية فيما يلي:ـ
لا نرى فرقا بين الاستثناء بقولك : ” إن شاء الله “، وقولك ” بإذن الله “، وذلك لأسباب عدة ، أهمها :
أولا :
أن معنى كل من الاستعمالين متقارب ، فالتعليق على مشيئة الله ، يشابه التعليق على إذنه سبحانه ،
من حيث إن كلا من المشيئة العامة ، والإذن الكوني القدري ،
من خصائص صفات الربوبية المستحقة للخالق جل وعلا ، وما شاءه الله ، فقد أذِن بكونه حقيقة ،
وما أذِن به سبحانه ، فقد شاء خلقَه وإيجادَه ، وهكذا يترادف استعمال كل منهما .
ثانيا :
أن الاستعمال القرآني لكل من هذين اللفظين أيضا متقارب ، ولم نجد فرقا بينهما في المعنى أو في السياق ،
قال تعالى : ( وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ) إبراهيم/11،
وقال سبحانه : ( وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ) الرعد/38
وفي المشيئة يقول الله عز وجل : ( تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا ) الفرقان/10.
بل وفي القرآن الكريم بعض الآيات التي ورد فيها اللفظان يدلان على معنى متقارب في آية واحدة ،
وذلك في قول الله جل وعلا : ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ) الشورى/51،
وقوله سبحانه : ( وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ) النجم/26
ثالثا :
لم نجد لدى المفسرين أو علماء العقيدة أو شراح الحديث من يفرق بين الاستعمالين ، بل وجدنا عندهم من يفسر المشيئة بإذن الله سبحانه .
يقول العلامة الطاهر بن عاشور رحمه الله :
” المراد بالمشيئة إذن الله له ” انتهى من ” التحرير والتنوير ” (15/296) .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” إذن الله نوعان : كوني ، وشرعي ؛ وسبق بيانهما في قوله تعالى : ( فإنه نزله على قلبك بإذن الله ) البقرة/ 97 ” انتهى من ” تفسير الفاتحة والبقرة ” (3/36) .
ولدى الفقهاء باب يسمى باب ” الاستثناء “، يَرِدُ في حديثهم عن الأيمان والنذور والطلاق وغيرها ،
وهو ” كل تعليق على مشيئة الله ونحوه مما يُبطِل الحكم ” كما في ” الموسوعة الفقهية ” (7/278)،
وقالوا : إن قولك ” بإذن الله ” استثناء كقولك ” إن شاء الله “.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال الآتي :
” هل يجوز الاستثناء في الحلف بغير إن شاء الله , مثلاً : بإذن الله ؟
فأجاب :
نعم يجوز , بإذن الله مثل بمشيئة الله ” انتهى باختصار من ” لقاء الباب المفتوح ”
والله أعلم .
الآيات التى جاء فيها (إن شاءالله :
بسم الله الرحمن الرحيم
قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ماهى إنّ البقر تشابه علينا وإنّا إن شاء الله لمهتدون
فلمّا دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال أدخلوا مصر إن شاءالله آمنين
ولا تقولنّ لشئ إنّي فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله وأذكر
قال ستجدنى إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا
وما أريد أن أشقّ عليك ستجدنى إن شاء الله من الصالحين
قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاءالله من الصابرين
الآيات التى وردت فيها (بإذن الله) :
(قل من كان عدوا لجبريل فإنّه نزّله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين)
(فيتعلمون ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارّين به من أحد إلا بإذن الله)
(قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين)
(فهزموهم بإذن الله وقتل داؤود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة )
(ورسولا إلى بنى إسرائيل أنّى قد جئتكم بآية من ربكم أنّى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله، وأبرئ الأكمه والأبرص وأحى الموتى بإذن الله)
(وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزى الشاكرين)
(وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين)
(وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جآؤوك فإستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما)
(الآن خفّف الله عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفا فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين)
(وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون)
(ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتى بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب) الرعد 28
وعدد من الآيات الأخرى بالقرآن الكريم
وبمراجعة الآيات فإن الملاحظ أن الآيات التى جاءت تروى أحداثا وقعت فى الماضى كانت (بإذن الله)،
أى بمعنى (حدثت بمشيئة الله،
فهزموهم بإذن الله، فإنه نزله على قلبك بإذن الله، كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله.
فلا يمكن أن تكون (فهزموهم إن شاءالله ) أو (كم من فئة قليلة هزمت فئة كثيرة إن شاءالله) أو (وما هم بضارين به من أحد إلا إن شاءالله) ..إلخ
وعن أحداث أو ظروف قد تقع فى المستقبل جاءت الآيات بـ (إن شاء الله).
وكانت الآية بسورة الكهف صريحة (ولا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاءالله
إذا للأفعال التى ينوى المسلم أن يقوم بها فى المستقبل عليه أن يقول (إن شاءالله)
وهذا يعني أنه غير صحيح أن نقول (سأذهب غدا بإذن الله الى المسجد).
وفى آية السحر فى سورة البقرة التى جاءت بصيغة الفعل المضارع :
(وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله)، أى أنه إذا (وقع) الضر فما وقع إلا بمشيئة الله تعالى
إذا : بإذن الله تخص ما حدث فى الماضى ،
وأيضا يمكن القول أنه لو حدث شئ فى المستقبل فبإذن الله،
إذا ذهبت الى المسجد غدا فبإذن الله
وفى آيات عيسى
التى جاءت بصيغ الفعل الماضى والفعل المضارع مع (بإذن الله):
(أّنّى قد جئتكم بآية من ربكم أّنّى أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله، وأبرئ الأكمه والأبرص وأحى الموتى بإذن الله)
وليست (إنى خلقت لكم من الطين كهيئة الطير فنفخت فيها فكانت طيرا بإذن الله) ..
وذلك لأن :
أولا: بداية الآية جاءت بصيغة الماضى :أنّى قد جئتكم بآية من ربكم
ثانيا: الأفعال الثانية بصيغة المضارع ، فنفهم أن تلك المعجزات من المسيح
كانت قد وقعت أمام القوم لأنها إنتهت بكلمة الماضى (بإذن الله)، وأنه لو طلب بنو إسرائيل منه تكرارها مرة أخرى لفعل عيسى
ليثبت صدق تأييد الله تعالى له، لذا جاءت بصيغة المضارع، وهذا من البلاغة القرآنية.
إذا فـعبارة (بإذن الله) بعد كل معجزة تثبت أنها وقعت فى الماضى ،
والتأكيد على أنها ستقع لا محالة فى المستقبل إذا طلب بنو إسرائيل تكرارها.
يمكنكم متابعة برامج قناة الانسان و الموقع نور الاسلام
More Stories
أسيرة إسرائيلية محررة: ‘إعلامنا يكذب..لم أُضرب بل أصبت في قصف لقواتنا’
وفاة أكبر معمّرة في العالم
الصحة العالمية توصي بالتعاون لمراقبة جدري القردة دون فرض قيود سفر