الأمانة مغنم والزكاة مغرم – خطبة الجمعة
المحتوى
الأمانة مغنم والزكاة مغرم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا فعلت أمتي خمسَ عشرةَ خصلةً حلَّ بها البلاءُ قيل: وما هي يا رسولَ اللهِ
قال: إذا كان المغنَمُ دولًا والأمانةُ مغنمًا والزكاةُ مغرمًا وأطاع الرجلُ زوجتَه وعقَّ أمَّه وبرَّ صديقَه وجفا أباهُ
وارتفعتِ الأصوات في المساجدِ وكان زعيمُ القومِ أرذُلهم وأُكرِمَ الرجلُ مخافةَ شرِّه وشُربتٍ الخمورُ ولبسَ الحريرُ
واتخذتِ القيانُ والمعازفُ ولعن آخرُ هذه الأمةِ أولَها فلْيرتقبوا عند ذلك ريحًا حمراءَ أو خسفًا أو مسخًا}
(الترمذي، وقال: حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه),
وإن كان فيه ضعفا فإن في كثير مما تضمنه شواهد في الصحيح، وله شواهد من الواقع نعيش اليوم أحداثها ووقائعها.
الخصلة الأولى:
{المغنَمُ دولًا} اتخاذ الفيء دولا والفيء ما أفاءه الله على المؤمنين، قال تعالى:
مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ
وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ (سورة الحشر:7).
والفيء في وقتنا الحالي هو المال العام، وثروات البلاد؛ فلا ينبغي أن يكون حكرا على فئة معينة من الناس من أهل الجاه والشرف والغنى،
وهم لا يستحقونه، فيظل المال والثروة بين أيديهم لا تتعدى إلى غيرهم. وهذا ما نراه اليوم أن المال العام يصرف إلى غير المستحقين له؛
فتعطى الرواتب والحوافر لمن لا يستحقها، وتصرف الجرايات والرواتب للأموات.
الخصلة الثانية:
{والأمانة مغنما} الأمانة وما أدراك ما الأمانة! الرئاسة أمانة، ونيابة الشعب أمانة، وأي مسؤولية يتولاها المسلم أمانة.
والأصل في الأمانة أنها تكليف لا تشريف، ولكن عند اختلال الموازين، وقلّة الدين تصبح الأمانة غنيمة ووسيلة للثراء غير المشروع؛
فيدفع الملايين لتلميع صورته حتى يتحصل على المنصب، ونسي ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في المناصب:
{إنها أمانة وإنَّهَا يَومَ القِيَامَةِ خِزْيُ وَنَدَامَةٌ، إلَّا مَن أَخَذَهَا بحَقِّهَا، وَأَدَّى الذي عليه فِيهَا} (مسلم).
وتناسى قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (سورة الأنفال: 27).
الخصلة الثالثة:
{والزكاة مغرما} فيؤديها مكرها كأنها غرامة ومصيبة حلّت به، ولا يؤديها بطيب نفس واحتساب أجر عند لله عز وجل، هذا إذا أدها!
ومن يؤدي زكاة ماله اليوم؟ إلا من رحم الله. بعضهم يدفع لتلميع صورته الملايين،
وإن تصدّق فبالملاليم التي لا تسمن ولا تغني من جوع. وقد بشّر الله مانعي الزكاة بالعذاب الأليم
فقال: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34)
يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (سورة التوبة: 35).
الخصلة الرابعة والخامسة:
{يطيع الرجل امرأته ويعقّ أمّه} وفي أمثالنا الشعبية: “الوَسَّاَدةْ غَلْبَتْ اْلَوَلَّادَةْ” يطيع زوجته ويعصي أمّه،
يضحك مع زوجته، ويعبس في وجه أمّه، وكم من شكوى وصلتني من الأمهات المقهورات من أبنائهن – هداهم الله-.
لا أقول لكم لا تحسنوا لزوجاتكم، ولكن أحسنوا لأمهاتكم وزوجاتكم، فأمك وأبوك جنّتك أو نارك،
فالله الله في الأمهات، وهن أحقّ بالبر من غيرهن. {جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ:
يا رَسولَ اللَّهِ، مَن أحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟
قالَ: أُمُّكَ. قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أبُوكَ} (البخاري).
الخصلة السادسة والسابعة: {وبرَّ صديقَه وجفا أباهُ}
يتقرّب من صديقه ويبتعد عن أبيه، ويفرح بصديقه ويطلعه على أسراره ويستشيره، ولا يستبشر برؤية أبيه،
ولا يُطلعه على أسراره. صاحبوا الناس، وخالطوهم، ولكن ليس على حساب الوالدين، والأمر يحتاج إلى موازنة دقيقة، وتوفيق من الله.
الخصلة الثامنة: {وارتفعتِ الأصوات في المساجدِ}
أي أصبح المساجد كأنها أسواق، ولم تعد لها حرمة، وأحقّ البيوت بالحرمة بيوت الله،
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (سورة النور: 36)
{أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ لَمَّا صَلَّى قَامَ رَجُلٌ فَقالَ: مَن دَعَا إلى الجَمَلِ الأحْمَرِ،
فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: لا وجَدْتَ، إنَّما بُنِيَتِ المَسَاجِدُ لَمَّا بُنِيَتْ له} (مسلم)،
وما بنيت المساجد إلا لذكر الله وأداء الصلوات وتلاوة القرآن.
الخصلة التاسعة: {وكان زعيمُ القومِ أرذُلهم}
الأصل في الرئيس أن يكون أفضل القوم وأصلحهم، ولكن عند اختلال الموازين يترأَّس الناسَ العاصي والفاسق،
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: {تأتي على النَّاسِ سَنواتٌ خدَّاعاتٌ يُصدَّقُ فيها الكاذبُ، ويُكَذَّبُ فيها الصَّادقُ،
ويؤتَمنُ فيها الخائنُ ويخوَّنُ فيها الأمينُ، وينطِقُ الرُّوَيْبضة قيلَ: يا رسولَ اللَّهِ وما الرُّوَيْبضةُ؟
قالَ: الرَّجلُ التَّافِهُ يتَكَلَّمُ في أمرِ العامَّةِ} (الحاكم، وصحيح ابن ماجه، وصحيح الجامع).
الخصلة العاشرة: {وأُكرِمَ الرجلُ مخافةَ شرِّه}
أن يكرم الرجل الظالم المعتدي، أو من له سلطة يتسلط بها على الناس ويعتدي عليهم،
ولا يكرم لكونه أهلا للإكرام في دينه أو خلقه أو جاهه أو إحسانه،
بل لشرّه فيخافه الناس ويكرمونه، وهذا من مظاهر فساد الأحوال.
الخصلة الحادية عشرة والثانية عشرة والثالثة عشرة والرابعة عشرة: {وشُربتٍ الخمورُ ولُبِسَ الحريرُ واتُّخذتِ القيانُ والمعازفُ}
خصال مرتبطة ببعضها؛ فإذا شُربت الخمورُ لعبت بالعقول واستحلت ما حرّم الله، فظهر البذخ، ولُبِس الحرير، وشاع الغناء،
وانتشرت آلات اللهو والطرب، كما هو مشاهد اليوم في بلادنا، حيث تقام المهرجانات في أكثر الولايات،
إذا لم أقل في جميعها، وتُنْفق عليها الملايين، ويموت بعض المواطنين جوعا وبردًا.
الخصلة الخامسة عشرة: {ولعن آخرُ هذه الأمةِ أولَها}
فهناك من الناس اليوم من يسبُّ بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة الشيخين أبي بكر وعمر وأمنا عائشة ويلعنهم رضي الله عنهم أجمعين.
وهناك من ينتقص من قيمة الأئمة الأعلام رحمهم الله، وهذا خلاف ما أمرنا الله في قوله تعالى:
وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (سورة الحشر:10).
أيها المؤمنون الكرام، إذا وقعت هذه الخصال، وفشت المعاصي والرذائل وسيئات الأعمال،
وانقلبت الموازين وساءت الأحوال، فأنذاك تكون الأمة مهيأة للعقاب –
ونعوذ بالله من ذلك- أوشك أن يعمّنا الله بعقابه؛ إما ريح حمراء أي مدمرة أو خسف أو مسخ كما أصاب الأقوام السابقين لما عصوا ربهم،
قال تعالى: فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ
وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (سورة العنكبوت: 40).
فاتقوا الله عباد الله، وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (سورة الأنفال: 25).
يمكنكم متابعة برامج قناة الانسان و الموقع نور الاسلام
More Stories
كيف تستثمر الحائض ليلة القدر؟
هل أفطر إذا أستعملت قطرة العين؟
أعظم نعمة بعد نعمة الإسلام