3 أكتوبر 2024

حقيقة حياة الدنيا

الحياة الدنيا هي من خلق الله آدم حتى موت كل البشر وقيام يوم القيامة،

أما الحياة الدنيا لكل واحد منا فمن ولادته إلى موته،

فمن مات قامت قيامته أي يرى ماله من خير وما عليه من شر من موته ويبدئ في حياة البرزخ،

وحياة البرزخ

هو الحاجز بين الموت والبعث أو بين الدنيا والآخرة من وقت الموت إلى البعث فيكون خرج من الدنيا وابتلاءاتها وينتظر دخول الآخرة،

وفي هذه الحياة وجه شبه بالدنيا أنه لم تقم الساعة ويوم القيامة، ووجه شبه بالآخرة أنه لا تكاليف ولا طاعات ولا معاصي فيها.

أما هذه الحياة التي نعيشها الآن هي فترة اختبار وامتحان فقط وليس أكثر من ذلك،

وما خلقنا الله فيها إلا لفترة مؤقتة ليتم تحديد مكانة كل فرد على أساسها،

بل لم يخلق الله الموت والحياة إلا لهذا الابتلاء (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (تبارك: 2)

والدنيا هي مدة الاختبار الذي يرسب فيه بعض البشر بسبب انشغالهم عن هدف وجودهم الأساسي وغفلتهم عن مستقبلهم.

فالإنسان في الدنيا ينشغل بما يراه بعينيه ويغفل عن المصير الذي ينتظره عما قريب،

والذي سيأتيه في وقت مفاجئ، وبشكل مفاجئ فينتزعه من الدنيا، وحينها ينتهي وقت الامتحان ويبدأ وقت الحساب.

والدنيا طبيعتها غرارة تغر الإنسان وتشغله بأحداثها وتغرقه في تفاصيلها، فتلهيه عن مصيره وآخرته،

كما قال رسول الله (لا يزال قلب الكبير شابا في اثنتين: في حب الدنيا وطول الأمل) رواه البخاري،

وفي رواية لمسلم (قلب الشيخ شاب على حب اثنتين: طول الحياة، وحب المال).

فبرغم أن تقدم الإنسان في العمر يجعله يعزف عن كثير من شهواته التي كانت تجذبه عندما كان طفلاً أو شابًا،

لكن الدنيا تتلون له في كل مراحل حياته، بصورة تجعله مفتونًا –أو على الأقل منشغلاً- بها على الدوام.

وأهل الدنيا في دنياهم يعمهون كلما نالوا شيئًا منها تَعَطَّشُوا لأكثر منه، كمن يشرب من الماء المالح فيزداد عطشًا،

فكلما حقق الإنسان أمانيه القريبة، ظهرت له حاجات جديدة، وأعباء جديدة، ومتطلبات تحتاج لإشباع،

رغم أنها لم تكن بهذا الإلحاح من قبل، وهكذا تشغله الدنيا ولا يشبع منها أبدا.

قال رسول الله (يا أبا ذر أترى أن كثرة المال هو الغنى؟ إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب، من كان الغنى في قلبه،

فلا يضره ما لقي من الدنيا، ومن كان الفقر في قلبه، فلا يغنيه ما أكثر له في الدنيا، وإنما يضر نفسه شحها) رواه النسائي وصححه الألباني.

وقال أيضًا (من كانت نيته طلب الآخرة؛ جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت نيته طلب الدنيا؛

جعل الله الفقر بين عينيه، وشتت عليه أمره، ولا يأتيه منها إلا ما كتب له) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.

فطالب الدنيا لا يشبع ولا يستريح، فليس في الدنيا راحة؛ سُئل الإمام أحمد:”متى يجد العبد طعم الراحة؟”،

قال: “عند أول قدم يضعها في الجنة” (المقصد الأرشد).

فالمؤمن يسابق الزمن في هذه الحياة ليجني الحسنات ويتقرب إلى الله كي يفوز في هذا الاختبار،

أما الغافل فتمر معظم سنين حياته لغايات تافهة وفارغة، فلا يفهم بوضوح لأي غاية يعيش هذه السنين الطوال.

ففي فترة ما يعيش من أجل اللعب واللهو وفي فترة أخرى يعيش من شهوات وملذات أخرى، وتارة من أجل أولاده،

وهكذا إلى أن يقترب الموت منه ويوشك على الرحيل عن هذه الدنيا.. وماذا بعد ذلك؟

ماذا سيحدث بعد ذلك؟ لا يدري… ولكن بالتأكيد سينتهي كل شيء.

ولو أنا إذا متنا تُركنا :. لكانَ المَوْتُ راحَة َ كُلِّ حَيِّ

ولكنا إذا متنا بُعثنا :. ونُسأل بعد ذا عن كل شي.

قال النبي (من جعل الهموم هما واحدا، هم المعاد، كفاه الله سائر همومه، ومن تشعبت به الهموم من أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك) رواه ابن ماجة وحسنه الألباني.

وقد كثر في القرآن ضرب الأمثال للحياة الدنيا والتعريف بها ووصفها والهدف منها ومن خلق البشر حتى لا يغتر البشر بهذه الدنيا

كما قال تعالى (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ

وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (الحديد:20)،

ولعله يأتي ذكر بعض هذه الأمثلة والأوصاف للدنيا في القرآن والسنة.

قال عليُّ بن أبي طالب :

“إذا أدركتِ الدنيا الهاربَ منها جرحَتْه، وإذا أدركتِ الطالب لها قتلَتْه”،

فالدنيا كالظل تمشي وراءك إن أدرت لها ظهرك وتجري أمامك إن وليّت لها وجهك (الملل والنحل).

قال ﷺ: (إِنَّ الرُّوحَ الأَمِينَ نَفَثَ في رُوعِي أَنَّهُ لَن تَمُوتَ نَفسٌ حَتَّى تَستَوفيَ رِزقَهَا، فَاتَّقُوا اللهَ وَأَجمِلُوا في الطَّلَبِ،

وَلا يَحمِلَنَّكُمُ استِبطَاءُ الرِّزقِ أَن تَطلُبُوهُ بِمَعَاصِي اللهِ، فَإِنَّهُ لا يُدرَكُ مَا عِندَ اللهِ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ) أَخرَجَهُ البَيهَقِيُّ في شُعَبِ الإِيمَانِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.

وَقَالَ ﷺ: “إِنَّ الرِّزقَ لَيَطلُبُ العَبدَ كَمَا يَطلُبُهُ أَجَلُهُ” رَوَاهُ ابنُ حِبَّانَ وَقَالَ الأَلبَانيُّ: صَحِيحٌ لِغَيرِهِ.

فالدنيا لا تستقيم لأحد ولا تشبع طالبها منها، ولا تستحق أن يوليها المرء كل همه ويجعلها منتهى آماله،

فهي أحقر وأقل من أن تكون همة الإنسان فيها، وعلى الإنسان أن يتفكر في حقيقتها باستمرار

ويعتبر من سير السابقين كي لا يغتر بها، ويستحضر هذه الدروس في حياته دومًا.

ومن دروس الحياة الدنيا أنها:

لا تدوم على حال


لقد خَلَق الله الدنيا على طبيعة اختلطتْ فيها اللذائذ بالآلام، والمحابُّ بالمكارِه، فليس فيها لذَّة لا يَشوبها ألَم،

والنعمة فيها لا تدوم لأحد أيًا كان.

قال الله: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) ]آل عمران: 140 – 142 [،

فلا يركنن عاقل إلى دنيا متحولة، ولا يظنن ظان أنه قد أصبح عصيًا على تقلبات الدهر.

جاء في الحديث الصحيح – كما عند البخاري – قال رسول الله – e: (إن الله ليُمْلِي للظالِم حتى إذا أخذه لم يُفْلِتْه)،

قال: ثم قرأ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيد) [هود: 102].


قصيرة وسريعة الزوال:

الدنيا سريعة الفَناء، قريبة الانقضاء، مهما طالت حياة أي إنسان فهي قصيرة،

وستنقضي الدنيا كلها وتأتي بعدها الآخرة التي بسبب طولها يحسب الناس أنهم لم يقضوا في الدنيا إلا ساعة من نهار.

قال الإمام ابن القَيِّم:

“مثل أهل الدنيا في غَفْلتهم، مثل قومٍ رَكِبوا سفينة، فانتهتْ بهم إلى جزيرة، فأمَرَهم الملاَّح بالخروج لقضاء الحاجة،

وحذَّرهم الإبطاءَ، وخوَّفهم مرورَ السفينة، فتفرَّقوا في نواحي الجزيرة، فقَضَى بعضُهم حاجته، وبَادَرَ إلى السفينة،.

وتولج بعضُهم في تلك الغياض، ونَسِي السفينة، وأبعد في نزهته؛ حتى إنَّ الملاَّح نادَى الناسَ عند دَفْع السفينة،

فلم يَبلغْه صوتُه؛ لاشتغاله بملاهيه.. فهذا مثال أهل الدنيا في اشتغالهم بحظوظهم العاجلة، ونسيانهم مَوردَهم وعاقبةَ أمرهم!” (عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين).

دار إغواء


منذ اللحظة التي طَرَد الله فيها إبليس من رحمته، ولَعَنه بسب تكبُّره ورَفْضه السجودَ لآدمَ – عليه السلام – رَفَع الشيطان رايةَ التحدِّي،

وأعلن الحرب قائلاً: (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) ]ص: 82[، وجعل هدفه الوحيد إضلال الخلق.

والحياة الدنيا – لكى يكون فيها اختبار – لابد أن يكون فيها إغواء.

ومعظم الناس يقعون أسرى لهذا الإغواء والإغراء فيتعلقون بالدنيا وشهواتها وبما فيها من المتاع،

وتفضيلها على الآخرة كما قال سبحانه وتعالى: (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ) [القيامة: 20].

وهذا الحب يغمر القلب فلا يوجد فيه مكان للآخرة أو يقل فيه مكان الآخرة،

فيقدم الإنسان حينئذٍ الدنيا على الآخرة بحيث تصير أكبر الهم، وأعظم ما يبلغه.

تفضح حقائق الناس ومعادنهم


قال – تعالى -: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) ]العنكبوت: 2 – 3[.

قال ابن القيم – رحمه الله – في تفسير هذه الآية:

“إذًا فالاختبار ليس عن جَهْله – سبحانه – بعبْده، ولكن حِكْمة ذلك في كَشْف مَن يدَّعي الإيمان لنفسه وتجربته أمام عَينيه،

فيسقط الوهم في أنَّه عميقُ الإيمان، أمَّا الكاذبون فيختبرهم – سبحانه – ليعيدهم إلى الإيمان تائبين مُتذكِّرين نادمين، فإنْ لَم يتوبوا، ولَم يتذكَّروا، عرَّاهم أمام الناس.

وخَلَّص صفوفَ المؤمنين منهم، فالابتلاء يزيد رجال الإيمان نضوجًا وصلابة،

والدُّعاةَ الصادقين عُمقًا وثباتًا، فهو ليس شرًّا بالمؤمنين أبدًا؛ لأنه خيرٌ يسوقه الله لعباده؛ ليعودوا إليه بعِزَّة الإيمان،

ويعودوا إلى ربِّهم ضارعين، يلجؤون إليه بقلوب مُرتبطة به؛ تَذْكره وتَشْكره، وتَلْهج بذِكْره، قويَّة بالله،

ثابتة على دينه؛ لأن الله – جل جلاله – يريد ذلك منهم”.

. يمكنكم متابعة برامج قناة الانسان و الموقع نور الاسلام