26 يوليو 2024

زكاة الحرث وأصحاب الجنة (خطبة )

زكاة الحرث وأصحاب الجنة

فالمال الذي بيت يديك أيها المسلم هو ليس مالك، وإنما هو مال الله،

استخلفك فيه لينظر ما أنت فاعل فيه، قال الله سبحانه: وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ (سورة الحديد: 7).

عباد الله إن الله أمركم بإخراج زكاة ما أنعم الله به عليكم من الحرث والزرع والأنعام والأموال،

فقال سبحانه: وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ (سورة النور: 33)،

وقال: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (سورة الأنعام: 141)،

ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فِيما سَقَتِ السَّمَاءُ والعُيُونُ أَوْ كانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ، وما سُقِيَ بالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ} (البخاري).

وهذه النصوص الشرعية تنص على وجوب إخراج زكاة الحرث والزرع.

فعند المالكية لا زكاة إلا فيما يقتات ويدخر كالشعير والقمح والعدس والتمر وغيرها…

ولكن النصوص الشرعية لم تشترط هذه العلة بل عممت الزكاة في جميع ما تسقيه السماء،

وما يسقيه الإنسان كاللوز والبقول والخضار.

ولا يشترط في زكاة الحرث حولان الحول، فلو أنتجت الأرض مرتين وجبت الزكاة مرتين.

ونصاب الحبوب 300 صاعا أي ما يعادل 615 لترا،

أما الوزن فهو 647 كلغ، ولكن وزن لتر شعيرا يختلف عن وزن لتر قمحا أو زيتونا.

فاعتماد اللتر أحوط. وإذا كانت مصاريف الفلاحة مجحفة كثيرة فإنها تخصم أولا ثمّ يزكى العشر لا نصف العشر.

وإذا كانت له ديون، فإن الديون لا تخصم من قيمة المنتوج، بخلاف المال،

فإذا كانت عليه ديون حالَّة تخصم ويزكي باقي ماله، أما في الزراعة فلا.

وإذا باع الفلاح منتوجه الزراعي أخرج عشر المال تيسيرا على المزكي، وتحقيقا لمصلحة الفقير.


وما شرعت الزكاة إلا لتحقيق مصالح العباد في الدنيا والمعاد.

ففي سنة 2017 تنص الإحصاءات أن هناك 250 ألف أسرة معوزة،

وصابة الزيتون 250 ألف طن توفر قرابة 80 لترا لكل أسرة فقيرة…

وما شرعت إلا لتطهير نفوس الأغنياء من الشح والبخل، ومن داء الحسد والحقد بالنسبة للفقراء،

وتأليف القلوب بين الأغنياء والفقراء، وتقليص الهوة بينهم.

فسارعوا بإخراج زكاة أموالكم، وطيبوا بها أنفسكم، وقد بشّركم رسولكم صلى الله عليه وسلم بقوله:

{ما نَقصَ مالُ عبدٍ من صَدقةٍ} (الترمذي، وقال: حسن صحيح).

وقال ربكم: بارك الله لكم فيما أنفقتم، وبارك لكم فيما أبقيتم.


أما من لم يخرج زكاة أمواله فنخشى عليه أن يصيبه ما أصاب أصحاب الجنة، فقد ذكر الله لنا قصتهم في سورة القلم

فقال الله تعالى: إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17)

وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19)

فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23)

أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25)

فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27)

قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29)

فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30)

قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32)

كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (سورة القلم: 33)


والله يقصّ القصص للناس للاعتبار:

لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى

وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (سورة يوسف: 111).

وللقصة آثار جميلة على النفس البشرية ولذلك كثر ورودها في الآيات القرآنية،

فهي تغرس مبادئ الخير، وتحذر من الوقوع في الشر.


وقصة أصحاب الجنة تحدثنا عن خلق الشح والبخل وما يلحق صاحبه من اللوم والحسرة في الدنيا والعقاب الشديد في الآخرة

هذه القصة فيها تسلية لرسوله حينما كذبه قومه وقد أنعم الله عليهم ببعثة رسوله

وانعم عليهم بنعمة المال والجاه والولد وأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف

فكما عاقب الله أصحاب الجنة الذين لم يشكروا نعمة الله عليهم وحرموا الفقراء حقهم من الثمار والزرع،

فإن الله قادر على حرمان كل من حرم الفقراء حقهم.


وتتمثل القصة في رجل من أهل الكتاب كانت له جَنَّة فيها من كل الثمرات وكان هذا الرجلُ الصالح لا يُدخِل بيتَه ثمرةً منها

شاهد أيضا : في أي سنة هجرية فرضت زكاة الفطر على المسلمين

حتى يقسمَ الثمار ثلاثة أقسام:

قسم للفقراء والمساكين، وقسم لأهل بيته، وقسم يردُّه في المحصول؛ لِيزرعَ به الأرض؛ لذلك بارك الله له في رِزْقه وعياله.

فلمَّا مات الشيخ ووَرِثه بَنُوه – وكان له خمسة من البنين – فحَملت جنَّتُهم في تلك السَّنة التي هلَك فيها أبوهم حملاً لم تكن حملَتْه مِن قبل ذلك فلمَّا نظروا إلى الفضل طَغَوا وبَغَوا،

وقال بعضُهم لبعض: لقد كان أبونا أحْمَق؛ إذْ كان يَصرِف من هذه الثمار للفقراء،

دَعُونا نتعاهد فيما بيننا ألاَّ نُعطيَ أحدًا من فقراء والمساكين في عامِنا هذا شيئًا؛

حتى نَستَغنِيَ وتَكثر أموالنا فقال أوسطهم أي أعقلهم وأقرب الأبناء شبها بأبيه الصالح:

سِيرُوا فيها بسيرة أبيكم فرفضوا. وهذا الأمر يتكرر في كل عصر. انظروا ما حل بالمحاصيل الزراعية في تونس في الأيام الماضية وهذه السنوات الأخيرة من كوارث طبيعية!

أليس هذا قد يكون إشعارا بغضب الله لعدم إخراج حق الله في المحصول؟ وفي الحديث:

{ما خالطت الصدقة أو قال الزكاة مالا إلا أفسدته} (رواه البزار والبيهقي)

فالأغنياء معَرَّضين للعقوبات مثل الحرائق والفياضانات والبَرَد، أو مصادرة بعض البضائع أو فساد البضاعة إذا منعوا زكاة أموالهم.

شاهد ّأيضا :  الزكاة في القرآن الكريم

وهذا هو العذاب الأدنى حتى لا يصيبهم العذاب الأعلى إذا رجعوا إلى الله وتابوا إليه:

وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (سورة السجدة: 21).

ولو أخر الله العقاب إلى يوم القيامة لهلك كثير من الناس؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم:

{إن الله إذا أراد بعبد خيراً عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبد شراً أمسك عنه حتى يوافى يوم القيامة بذنبه} (الترمذي).

فأصحاب الجنة لما منعوا الزكاة عوقبوا بنقيض قصدهم، فأذهب الله ما بأيديهم، فلم يبق لهم شيء: فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ،

أي: صارت سوداء كالليل لاحتراقها. وعن ابن عباس: كالرماد الأسود، أو:

كالزرع المحصود. وهكذا عقاب من خالف أمر الله، وبخل بما آتاه الله، ومنع حق المساكين والفقراء وذوي الحاجات.


وفي المقابل يضاعف الله الرزق لمن أدى حق الله في ماله، ويبارك له فيه.

ففي الحديث:

{بَيْنا رَجُلٌ بفَلاةٍ مِنَ الأرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا في سَحابَةٍ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، فَتَنَحَّى ذلكَ السَّحابُ،

فأفْرَغَ ماءَهُ في حَرَّةٍ، فإذا شَرْجَةٌ مِن تِلكَ الشِّراجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذلكَ الماءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الماءَ،

فإذا رَجُلٌ قائِمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الماءَ بمِسْحاتِهِ، فقالَ له: يا عَبْدَ اللهِ ما اسْمُكَ؟ قالَ: فُلانٌ، لِلاِسْمِ الذي سَمِعَ في السَّحابَةِ،

فقالَ له: يا عَبْدَ اللهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟ فقالَ: إنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا في السَّحابِ الذي هذا ماؤُهُ يقولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، لاِسْمِكَ،

فَما تَصْنَعُ فيها؟ قالَ: أمَّا إذْ قُلْتَ هذا، فإنِّي أنْظُرُ إلى ما يَخْرُجُ مِنْها، فأتَصَدَّقُ بثُلُثِهِ، وآكُلُ أنا وعِيالِي ثُلُثًا، وأَرُدُّ فيها ثُلُثَهُ} (مسلم).

فأدوا عباد الله زكاة أموالكم، يضاعفها لكم، وقد وعدكم ربكم بذلك في قوله: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (سورة الحديد: 11).

وبشَّرَكم رسولكم صلى الله عليه وسلم: {ما نَقصَ مالُ عبدٍ من صَدقةٍ}. بارك الله لكم في جميع ما رزقكم إنه الرزاق ذو القوة المتين.

شاهد أيضا :  الأمانة مغنم والزكاة مغرم

 يمكنكم متابعة برامج قناة الانسان و الموقع نور الاسلام