10 سبتمبر 2024

كيف يتقي المسلم عذاب القبر و عذاب النار

عذاب القبر و عذاب النار

عذاب القبر

اتفق أهل السنّة والجماعة من علماء المسلمين على حقيقة وجود عذاب القبر، وأنّ الإنسان في القبر إمّا أن يكون في نعيم أو في عذاب،

وتلك هي الحياة البرزخيّة كما عبّروا عنها، واستدلوا لذلك بقول الله -عزّ وجلّ- في آل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)،

حيث قالوا إنّ آل فرعون على الرغم من موتهم يُعرضون على النّار غدوّاً وعشيّاً كما في الآية الكريمة،

ممّا يدلّ على عذاب القبر، كما استدلوا أيضاً بما ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من استعاذته من عذاب القبر في أكثر من موضع،

ممّا يدلّ على وجوده وثباته، أمّا المعتزلة وبعض الطوائف الأخرى غير المعتبرة عند أهل السنّة أنكروا عذاب القبر وزعموا عدم وجوده.

كما اتفق أهل السنّة والجماعة على أنّ نعيم القبر وعذابه يكون على الروح والجسد، وليس على أحدهما فقط،

فالروح تبقى في نعيم أو عذاب حتى بعد انفصالها عن الجسد ثمّ إنّها أحياناً ترتبط به فيتنعمان معاً أو يتعذبان معاً،

ويوم القيامة يشاء الله -عزّ وجلّ- أن ترتبط الأرواح جميعها بأجسادها فيكون النعيم أو العذاب عليهما جميعاً في الآخرة

وردّ العلماء على من ينكرون عذاب القبر ونعيمه بزعم أنّ الناس يرون الموتى في قبورهم ولا يكون عليهم أثر من ذلك النعيم أو العذاب،

بأنّ ذلك يشبه حال النائم في الحياة الدنيا، فهو قد يحلم أحلاماً كثيرة فيها حزن أو فرح

فيتأثّر بها ويشعر معها لكنّ مَن حوله لا يدرون بذلك ولا يرون له أثراً ظاهراً عليه،

هذا وهو في الحياة الدنيا ذاتها، فكيف إذا كان في حياة أخرى تختلف عن الحياة الدنيا وهي حياة البرزخ،

ولا شكّ أن ذلك أدعى ليكون مقبولاً.

عذاب القبر وعذاب النار

إنّ نعيم القبر وعذابه وعذاب النّار من الأمور الثابتة في الكتاب والسنة، وهي من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة،

فقد قال الله تعالى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)،

وقال أيضاً عن المنافقين: (سَنُعَذِّبُهُم مَرَّتَينِ ثُمَّ يُرَدّونَ إِلى عَذابٍ عَظيمٍ)،

وقد فسّر مجموعة من العلماء، ومنهم ابن مسعود -رضي الله عنه- العذاب الأول بالعذاب في الدنيا، والعذاب الثاني في القبر، والعذاب العظيم في نار جهنم،

وقد ورد العديد من الأحاديث النبوية في إثبات عذاب القبر وعذاب النار، ومنها أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان يستعيذ من عذاب القبر وعذاب النّار،

فكان يقول: (اللهمَّ إني أعوذُ بك من عذابِ القبرِ اللهمَّ إني أعوذُ بك من عذابِ النارِ)،

ويجدر بيان أنّ نار جهنّم أشدّ فيحاً من نار الدنيا، فإذا لفحت الوجه تركته عظماً دون لحمٍ،

وهي خاتمة العذاب، ومقرّ العناء، والحسرة والبكاء،

وقد جعل الله -تعالى- للنار دركاتٍ،

يدخلها أهلها بحسب إجرامهم وأعمالهم، وماء جهنم حميم، وظلها يحموم، وهواؤها سموم، وطعام أهل النار الضريع؛

وهو شوكٌ مرٌ نتنٌ لا يُشبع من يأكله ولا يهنأ، ومن طعام أهل النار أيضاً، قيح الأبدان وصديدها،

وفاكهتهم شجرة الزقوم ذات الطعم شديد المرارة، وأمّا شراب أهل النّار؛ فهو الحميم الذي يُقطّع الأمعاء من شدة الحرارة.

وسائل تنجي المسلم من عذاب القبر

الصّدقة والإنفاق في سبيل الله تعالى، فكما بيّن النّبي عليه الصّلاة والسّلام أنّ المسلم في ظلّ صدقته يوم القيامة،

وهي كذلك تطفىء عن صاحبها حرّ القبور. الاستعاذة بالله تعالى من عذاب القبر،

فقد دلّنا النّبي الكريم إلى أن يستعيذ المسلم في صلاته من عذاب القبر،

والاستعاذة هي الالتجاء وطلب العون من الله تعالى لدفع الشّر والأذى عن النّفس.

الأعمال الصّالحة التي تتمثّل للمسلم في قبره في منظرٍ طيّب ورائحة زكيّة عطرة،

تذود عنه وتحميه من عذاب القبر حتّى أنّه ليأتيه من قبل يديه ومن يمينه ومن شماله فلا يجد إليه سبيلاً.

الشّهادة في سبيل الله، فالشّهيد له خصالٍ عديدة ومنها أنّه يجار من عذاب القبر.

اتقاء عذاب النار

للنجاة من عذاب النار أسبابٌ عديدةٌ، منها:

التوحيد والإخلاص؛ ويُقصد بالتوحيد الإقرار بوحدانية الله تعالى، وإفراده بالعبادة،

فهذا من دواعي النجاة من عذاب النار، إضافةً إلى أنّ النطق بالشهادتين بإخلاصٍ دون رياء،

من أسباب النجاة من عذاب النار أيضاً.

البكاء خوفاً من الله، إذ إنّ المسلم لا يبكي خوفاً من الله إلّا إذا استقرّ اليقين في قلبه،

حتى كأنّه يرى أمامه الجنة والنار. التزام أوامر الله واجتناب نواهيه،

ويكون ذلك بالمحافظة على الصلوت الخمس، وخاصّةً صلاتي العصر والفجر، ومن أوامر الله -تعالى- التي تقي من عذاب النار أيضاً؛ الصيام،

ويُقصد به الامتناع عن الشهوة وعن تناول الطعام والشراب، من طلوع الفجر الصادق، حتى تغرب الشمس، بنية العبادة لله تعالى.

الإكثار من صلاة النوافل، وصلاة ركعتي الضحى، وصلاة أربع ركعاتٍ قبل الظهر، وأربع ركعاتٍ بعدها، والصدقة، والاستغفار،

وتعلّم القرآن، والعمل بما جاء به، والإكثار من ذكر الله تعالى،

ومن الباقيات الصالحات، وطاعة الزوج فيما يرضاه الله تعالى،

وحبّ الخير للناس كما يُحبّه المرء لنفسه، وكفّ الجوارح -بما فيها العين واللسان- عمّا يُبغض الله ويُغضبه،

وكذلك استحضار المسلم للعقوبة التي أعدّها الله لمن يرتكب المعاصي قبل ارتكابها؛

فبهذا الاستحضار كفّ عن ارتكابها، بالإضافة إلى أنّ إحياء ليالي رمضان بفعل الخيرات،

والقيام من الأمور التي تقي من عذاب النار أيضاً.

ما هي أسباب عذاب القبر

قال الله سبحانه وتعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلهِكُم أَموَلُكُم وَلاَ أَولاَدُكُم عَن ذِكْرِ الله وَمَن يَفعَلْ ذَلِكَ فَأْوْلَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ *

وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقنَكُم مِّن قَبلِ أَن يَأْتِي أَحَدَكُمُ المَوتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَولاَ أَخَّرتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مّنَ الصَّالِحِينَ *

وَلَن يُؤَخِّرَ الله نَفساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَالله خَبِيرُ بِمَا تَعْمَلُونَ) سورة المنافقون،9-11.

وجاء في كتاب الترمذي، قال النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أكثروا ذكر هادم اللذات (الموت).

وفي الصّحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنّ رسول الله – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: (ما حقّ امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيّته مكتوبة عنده).

وهناك مجموعة من الأمور والأسباب التي تؤدّي إلى عذاب الإنسان في قبره،

وهي على النّحو الآتي:

النميمة

تعدّ النّميمة – والتي هي سبب من أسباب عذاب القبر – من أعظم الذّنوب عند الله عزّ وجلّ،

وقد جاء في صحيح البخاري قوله صلّى الله عليه وسلّم: (لا يدخل الجنّة نمّام)،

وذلك أنّ النّميمة من أكبر الكبائر، كما أنّها تعدّ من الموبقات، وهي ذنب يتعدّى ضرره من الإنسان إلى من سواه،

وقد نهانا النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – عن القيل والقال، ونهانا عن إضاعة المال، وعن كثرة السّؤال،

والقيل والقال هنا يعني أن يسمع الإنسان أمراً، ثمّ ينقله إلى غيره من النّاس، وذلك يؤدّي إلى زرع المشاكل بين النّاس،

ونزع الثّقة بينهم، ويؤدّي إلى كره المسلم لغيره، وفي حال وجدت الشّحناء والبغضاء بين النّاس،

يصبح المجتمع متفكّكاً وغير متماسك، كما تعتبر النّميمة من صفات أهل النّفاق والضّلال.

عدم الاستنزاه من البول

يُعدّ أكثر أهل القبور عذاباً بسبب عدم الاستنزاه من البول، وذلك عندما يكون الإنسان مستعجلاً،

فيقوم لدى انقطاع بوله دون أن يستنزه منه، وديننا الإسلام هو دين وسط، قال الله سبحانه وتعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) سورة البقرة،143،

وقد أخبرنا النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – أنّ عامّة عذاب القبر يكون للذين لا يستنجون من البول، فقد روى أنس رضي الله عنه،

عن رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – قال: (تنزّهوا من البول، فإنّ عامّة عذاب القبر منه).

الغلول

إنّ الغلول يعني أخذ شيء من المال العامّ للمسلمين، ويطلق خاصّةً على مال الغنائم، وبالتالي لا يجوز التصرّف في هذه الأموال فرديّاً،

بل أنّ مرد هذه الغنائم يكون هو الفيء، وهذه الأنفال هي لله سبحانه وتعالى، قال تعالى: (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) سورة الأنفال،1،

وهذه الأنفال تُقسّم كما أمر الله عزّ وجلّ بها: أربعة أخماس على المقاتلين، والخمس الأخير يتمّ تقسيمه على الفقراء والمساكين.

وهذا المال لا يمكن للمقاتل أن يأخذ منه شيئاً، وإنّما هي لولي الأمر، ويُقسّمها حسب ما أمر به الشّارع، وقد قام العلماء بقياس هذا الأمر على الأمور العامّة،

ومثال ذلك الزّكاة،

ومال بيت المسلمين، والخراج. ويُحرّم على المسلم أن يأخذ من المال العامّ بغير حقّ، ويُعتَبر من أخذ منها غالّاً،

وقد ورد في ذلك أحاديث نبويّة شريفة، وقال في ذلك سبحانه وتعالى: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) سورة آل عمران،161 ،

أي أنّ من أخذ مالاً من بيت مال المسلمين بغير حقّ فإنّه يؤمر بأن يأتي بمثله في يوم القيامة،

ولا يمكن له ذلك بعد انتهاء الحياة الدّنيا. الكذب يعدّ الكذب من أعظم القبائح، ومن سوء خلق الإنسان أن يأتي به،

وكانت نفوس النّاس لا ترضى به قبل الإسلام وبعده، وقد جاء الدّين الحنيف ليؤكّد على هذا الأمر،

ويؤسّس قواعد الدّين القائمة على الصّدق، حيث قالوا للنّبي – صلّى الله عليه وسلّم، والحديث في موطأ الإمام مالك: أيكون الرّجل جباناً؟

قال: نعم أي أنّ الإنسان قد يمرّ بلحظات يضعف فيها ويجبن، قالوا: أيكون المؤمن بخيلاً؟

قال: نعم، أي أنّ الإنسان قد يحصل أن يكون بخيلاً، ولكنّ الصّفة الأساسيّة هي الكرم، وربّما انتابه شيء من البخل في بعض لحظاته، وساعات ضعفه البشريّ،

قالوا: أيكون المؤمن كذّاباً، قال: لا، وذلك أنّ الإنسان الذي يفتري الكذب هو إنسان لا إيمانٌ لديه،

وأنّ النّفاق في أصله مبنيّ أساساً على الكذب، حيث إنّ المنافقين يظهرون غير ما يبطنون، ولذلك سمّاهم الله عزّ وجلّ بالكاذبين،

وذلك في قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ *

فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) سورة البقرة،8-10.

أكل الربا

من أعظم عقوبات القبر عقوبة الإنسان المرابي، وذلك لأنّ الرّبا يعتبر من أعظم الكبائر وأشدّها،

وقد وعد الله سبحانه وتعالى المرابين بأشدّ العذاب وأكّد على ذلك، وقد آذنهم بالحرب في الحياة الدّنيا وفي الآخرة،

قال عزّ وجل: (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) سورة البقرة،279، وهم لا طاقة ولا قدرة لهم على حرب الله عزّ وجلّ لهم،

قال سبحانه وتعالى: (والله غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) سورة يوسف،21.

ويعدّ الرّبا من الأمور المهلكة والعظيمة، يقع فيها كثير من النّاس، ولا يتذكّرون أنّ الرّزق كله بيد الله عزّ وجلّ،

وغلبت عليهم رغباتهم وأطماعهم في الكسب السّريع، ووقعوا في هذا الأمر المحظور،

والتي اعتبرها النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – من الموبقات،

وقد حرّم الله سبحانه وتعالى الرّبا لأمور عديدة هي في النّهاية لمصلحة المجتمع الإسلامي وخيره،

ولما في الرّبا من أضرار تعود على المرابي في الدّنيا والآخرة.

يمكنكم متابعة برامج قناة الانسان و الموقع نور الاسلام