9 سبتمبر 2024

كيف كان النبي صلى الله عليه و سلم نموذجا فريدا في الإدارة ؟

كيف كان النبي صلى الله عليه و سلم نموذجا فريدا في الإدارة ؟

النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حينما رأى أن الدعوة لابد لها من دولة تحميها وتُمكن لها،

فقد حدد الهدف الأساسي وهو”إقامة الدولة بالمدينة المنورة”، وحدد المراحل والخطوات التي توصل لهذا الهدف الطموح من بيعة العقبة الأولى ثم الثانية ثم اختتمها بمرحلة الهجرة النبوية،

ولم يكتفي بهذا فقط فلم تزل الدولة بدون ملامح، فحدد مجموعة من الإجراءات التنفيذية والمتطلبات لاستكمال هدفه صلى الله عليه وسلم،

فأقام السوق كمؤسسة اقتصادية وبناء المسجد كمؤسسة دينية وآخى بين المهاجرين والأنصار كمؤسسة اجتماعية،

ثم عقد المعاهدة مع اليهود كخطوة سياسية متطلبة لتثبيت الحكم وإدارة الدولة.

بل وتظهر مهارات النبي في إدارة مشروع الهجرة إلى المدينة، والتي تتجلى فيها جميع أركان العملية الإدارية من تخطيط وتنظيم وتوجيه ورقابة.

مهارات الرسول صلى الله عليه و سلم في الادارة:

مهارة التنظيم:

وها هو صاحب الحكمة والنظام حينما نبحث في حياته عن مهارة التنظيم، فقد نظم إدارة الغزوات وحدد قادة كل غزوة بل ويحدد القائد الرديف حين يُقتل القائد الأصلي،

بل ونظم إدارة حكم المدينة من مهام وهياكل تنظيمية ووضع الضوابط لتوزيع الغنائم، وأكثر من ذلك أنه لم يترك أي تجمع إلا ووضع له نظام “إِذَا كَانَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ” رواه بن داود 

مهارة التوجيه:

وحينما نتحدث عن مهارات التوجيه فلن نستطيع حصرها كسابق المهارات، فأخذنا لمحة سريعة حينما قال أبو ذر لسيدنا بلال يا ابن السوداء،

فعلق النبي المرشد الموجه بقوله “أعيرته بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية “رواه البخاري ،

وبالتالي أعاد العاملين معه إلى الهدف وإلى الضوابط وهذه هي مهمة التوجيه.

مهارة المتابعة:

أما قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالمتابعة والرقابة، حيث لا يتم انجاز الهدف إلا بهما، فقد سأله أحد فقراء المدينة فدبر له المال ببيع بعض الأدوات لهذا الصحابي؛

لإقامة مشروع جمع وبيع الحطب ثم لم يتركه بعد، بل أمره بتقديم تقرير عن المشروع “اذهب فاحتطب ولا أراك خمسة عشر يومًا” سنن بن ماجه ،

وبالفعل قدم تقرير المتابعة وقد كسب عشرة دراهم.

مهارة إدارة الاجتماعات:

وحينما نتحدث عن مهارة النبي في إدارة الاجتماعات، نقف كمتخصصين عاجزين وخاصة في إدارة نوعية الاجتماعات غير العادية،

ومنها ما يسمى باجتماعات حل المشاكل والاعتراضات، فاجتمع وفد من الأنصار في نفوسهم شيء من النبي لتوزيعه العطايا على المهاجرين المؤلفة قلوبهم دونهم،

وزاد الكلام والضجر حتى قال قائلهم: والله لقد لقي رسول الله قومه “سيرة بن هشام” ،

ووصل صعوبة الاجتماع إلى أن زعيمهم الصحابي الجليل سعد بن عبادة قال للنبي أن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك من أنفسهم لما أعطيت العطايا دونهم،

وما أنا إلا رجل من قومي أي أنه يؤيدهم، وهنا تأتي مهارة إدارة الاجتماع قبل أن يتفلت منه، ومهارة قراءة النفوس،

ومهارة مخاطبة العاملين معه وتذكيرهم بالهدف الأسمى، مع إقراره بفضلهم عليه وعلي المشروع ككل بعد فضل الله،

فينجح الاجتماع وتُحَل المشكلة ويقر أعضاء الاجتماع بما فعله قائدهم بل وينصرفوا

وقد أخضلوا لحاهم من شدة البكاء، بسبب حسن التذكير والعرض وقالوا رضينا برسول الله قسمًا وحظًا.” رواه أحمد

مهارة التركيز:

من المخاطر التي يقع فيها المدراء الانصراف عن الهدف في ظل العقبات والأحداث، إلا أن معلم البشرية ومُلهم الإداريين يعلمنا مهارة التركيز نحو الهدف،

ففي صلح الحديبية وعند كتابة المعاهدة اعترض سهيل بن عمرو على كتابة (بسم الله الرحمن الرحيم) وعلى جملة (هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو)،

فأقر النبي ذلك واضعًا عينه على الهدف وهو كتابة المعاهدة وإنفاذ الصلح، فكتب (باسمك اللهم – هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله) “صحيح البخاري””


مهارة حسن التعيين:

ولقد كانت قيادةُ الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – في تعيين الوُلاة في غايةِ الدِّقَّة؛ حيث يَختارهم من الأشخاص الذين يتمتَّعون بالخُلق القويم وسَعة العلم،

وعلى درجة من الكفاءة والجدارة؛ لهذا نجد أنَّ اختيارَ القادة في فجر الإسلام كان يقوم على الاستقامة والقدرة والنزاهة،

وكما ذكر سابقًا، فالقيادة الإسلامية تقوم  على مبدأ الشورى طبَّق الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – هذا المبدأ في إدارته وقيادته للمسلمين؛

حيث كان يقوم باستشارةِ أصحابه التزامًا بقولِ الله – تعالى” وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُم”ْ 


الرحمة لا الرهبة:

ومع هذا لم يخش رسول الله صلى الله عليه وسلم  من وصف نفسه بالمسكنة والعبودية، “اللهم! أحيني مسكينًا وأمتني مسكينًا واحشرني في زمرة المساكين””

فماذا يُنتظر من رجل يدعو الله أن يحيا وأن يموت وأن يحشر مع المساكين!! وهل مثل هذا الدعاء إذا تسامع به الناس يزرع الرهبة في قلوبهم من صاحبه؟

ويسمعه أبو هريرة وأبو الدرداء رضي الله عنهما، وهو يقول: “ابغوني في ضعفائكم، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم”.

فلم يعتمد رسول الله صلى الله عليه وسلم على سياسة التخويف والإرهاب لتخويف الرعية ولزرع مهابته في قلوبهم. بل كان يعتمد سياسة الرحمة واللين والصفح والعفو

 أهل الرأي والبصيرة.


ومن التوجيهات الإلهية للرسول – عليه الصَّلاة والسَّلام – قول الله – تعالى:

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّه’‘( آل عمران )159ِ

ويُمكن استخلاص التوجيهات القيادية للرسول – عليه الصَّلاة والسَّلام – من هذه الآية الكريمة بما يلي:

1- اللين الذي تَمتَّع به الرسولُ – عليه الصَّلاة والسَّلام – وذلك من رحمة الله تعالى – للأمة.

2- عدم الفظاظة والشدة والغلظة حَبَّبَ الرسول إلى الصحابة، فالتفُّوا حوله.

3- الأمر بالعفو عن صحابته.

4- الأمر بالاستغفار والدعاء لهم.

5- الأمر بالتشاور في جميع الأمور.

6- الأمر بالتوكل على الله بعد العزم.

وقد كان الرسول – عليه الصَّلاة والسَّلام – نِعْمَ القائدُ والقدوة للجماعة الإسلامية، التي آمنتْ برسالته،

وتَمسَّكت بدعوته، وضَحَّت بأنفسها وأموالها في سبيل نشر دعوته، ومن توجيهات الرسول – عليه الصَّلاة والسَّلام – في مجال القيادة للأُمَّة الإسلامية المتعددة:

 قولُه:” كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته


وقوله:” اسمعوا وأطيعوا، وإن استُعمل عليكم عبدٌ حبشي، كأَنَّ رأسَه زبيبة


وقوله:” اللهم مَن وَلِيَ من أمر أمتي شيئًا، فشَقَّ عليهم فأشقق عليه، ومن وَلِيَ من أمر أمتي شيئًا، فرفق بهم فأرفق به


وأخيرًا قوله:” من أطاعني فقد أطاع الله، ومَن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني“.

يمكنكم متابعة برامج قناة الانسان و الموقع نور الاسلام