حكم تارك الصلاة عمدا أو تكاسل وتساهلا
تعتبر الصلاة الركن الأبرز من بين أركان الإسلام، حيث إنّ المسلم مأمورٌ بأدائها في اليوم والليلة خمس مرات،
وقد شدد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الذي يوحى إليه من ربه بضرورة أداء الصلوات بأوقاتها وعدم التهاون فيها،
وتوعّد الله سبحانه وتعالى من يُقصّر فيها خُسراناً في الدنيا والآخرة، أما الفقهاء فقد اختلفوا في حكم تارك الصلاة، وما هو مآله في الدنيا والآخرة.
المحتوى
رأي أهل العلم من المذاهب
واختلافهم في هذه المسالة:
ومن تركها تهاونا بها واستخفافا بحقها ، فهذا الذي اختلف العلماء في شأنه ، فمنهم من يحكم بكفره ، ومنهم من يحكم بعدم كفره ،
ومنهم من يحكم بكفره إذا كان تاركا لها بالكلية ، أما إذا كان يصلي أحيانا وأحيانا لا يصلي فهذا لا يحكم بكفره .
” ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ
إِلَى أَنَّ تَاركَ الصَّلاَةِ تَهَاوُنًا وَكَسَلاً ، لاَ جُحُودًا ، يُقْتَل حَدًّا أَيْ أَنَّ حُكْمَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمُ الْمُسْلِمِ فَيُغَسَّل و يصلى عليه ويدفن مع المسلمين .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ :
إِلَى أَنَّ تَارِكَ الصَّلاَةِ تَكَاسُلاً يُدْعَى إِلَى فِعْلِهَا وَيُقَال لَهُ : إِنْ صَلَّيْتَ وَإِلاَّ قَتَلْنَاكَ ، فَإِنْ صَلَّى ، وَإِلاَّ وَجَبَ قَتْلُهُ .
وَلاَ يُقْتَل حَتَّى يُحْبَسَ ثَلاَثًا وَيُدْعَى فِي وَقْتِ كُل صَلاَةٍ ، فَإِنْ صَلَّى وَإِلاَّ قُتِل حَدًّا ، وَقِيل كُفْرًا ، أَيْ لاَ يُغَسَّل وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلاَ يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِين :
وقد قال ابن عثيمين :” الذي يظهر لي أنه لا يكفر إلا بالترك المطلق بحيث لا يصلي أبداً ، وأما من يصلي أحيانا فإنه لا يكفر ”
وقد حكا غير واحد من أهل علم الإجماع
على كفر تارك الصلاة وقال إسحاق بن راهويه :
“هو رأى أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى زمننا هذا.”
واحتجوا بظواهر النصوص التي تحكم بكفره ، وبقول عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيِّ :
” كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ ” رواه الترمذي
وحكا مخالفو الإجماع
على عدم كفره فقالوا :”” ذَلِكَ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ ؛ فَإِنَّا لا نعلَمُ فِي عَصْرٍ مِنْ الْأَعْصَارِ أَحَدًا مِنْ تَارِكِي الصَّلَاةِ تُرِكَ تَغْسِيلُهُ , وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ , وَدَفْنُهُ فِي مَقَابِر الْمُسْلِمِينَ ,
وَلَا مُنِعَ وَرَثَتُهُ مِيرَاثَهُ , وَلَا مُنِعَ هُوَ مِيرَاثَ مُوَرِّثِهِ , وَلَا فُرِّقَ بَيْنَ زَوْجَيْنِ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ مِنْ أَحَدِهِمَا ; مَعَ كَثْرَةِ تَارِكِي الصَّلَاةِ ,
وَلَوْ كَانَ كَافِرًا لَثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا , وَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ خِلَافًا فِي أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا , وَلَوْ كَانَ مُرْتَدًّا لَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ ،
وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ في تَكفِيره فَهِيَ عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيظِ , وَالتَّشْبِيهِ لَهُ بِالْكُفَّارِ , لَا عَلَى الْحَقِيقَةِ , كَقَوْلِهِ عليه السلام :
( سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ , وَقِتَالُهُ كُفْرٌ ) ، وَقَوْلِهِ ( شَارِبُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ وَثَنٍ )وأشباه هذا مما أريد به التشديد في الوعيد.
ومثل هذا يكون محل اجتهاد من الفريقين ؛ فالأولون رأوا أن قول عبد الله بن شقيق المتقدم ظاهر في إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة ، ومن ثَمّ حكوه إجماعا .
والآخرون رأوا أن في فعل المسلمين في كل عصر : من تغسيل تارك الصلاة والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين ونحو ذلك ، دليلا على إجماع المسلمين على القول بعدم كفره .
الصواب
أن من ترك الصلاة فهو كافر وإن كان غير جاحد لها، هذا هو القول المختار والمرجح عند المحققين من أهل العلم؛
لقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر خرجه الإمام أحمد وأهل السنن عن بريده بن الحصيب،
ولقوله أيضاً صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه:
بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة خرجه الإمام مسلم في صحيحه،
ولقوله أيضاً عليه الصلاة والسلام: رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة
وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله خرجه الإمام أحمد والإمام الترمذي رحمة الله عليهما بإسناد صحيح عن معاذ ،
وأحاديث أخرى جاءت في الباب، فالواجب على من ترك الصلاة أن يتوب إلى الله
وأن يبادر بفعلها ويندم على ما مضى من تقصيره ويعزم أن لا يعود فهذا هو الواجب عليه.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يكون عاصياً معصية كبيرة يكون عاصياً معصية كبيرة،
وجعل هذا الكفر كفراً أصغر واحتج بما جاء في الأحاديث الصحيحة من فضل التوحيد
ومن مات عليه فهو من أهل الجنة إلى غير هذا،
لكنها لا تدل على المطلوب فإنما جاء في فضل التوحيد وأن من مات عليه فهو من أهل الجنة،
إنما يكون بالتزامه أمور الإسلام ومن ذلك أمر الصلاة، فمن التزم بها حصل له ما وعد به المتقون ومن أبى حصل عليه ما توعد به غير المتقين،
ولو أن إنساناً قال: لا إله إلا الله ووحد الله ثم جحد وجوب الصلاة كفر ولم ينفعه قوله:
لا إله إلا الله، أو توحيده لله مع جحده وجوب الصلاة، فهكذا من تركها تساهلاً وعمداً وقلة مبالاة حكمه حكم من جحد وجوبها
في الصحيح ولا تنفعه شهادته بأنه لا إله إلا الله؛ لأنه ترك حق هذه الكلمة فإن من حقها أن يؤدي الصلاة،
وهكذا لو وحد الله وأقر بأنه لا إله إلا الله ولكنه استهزأ بشيء من دين الله، فإنه يكفر كما قال الله :
قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66]
وهكذا لو قال: لا إله إلا الله ووحد الله وجحد وجوب الزكاة أو جحد وجوب صوم رمضان أو جحد الحج
مع الاستطاعة أو جحد تحريم الزنا أو جحد تحريم السرقة أو جحد تحريم اللواط أو ما أشبه ذلك،
فإنها من جحد هذه الأمور كفر إجماعاً، ولو أنه يصلي ويصوم ولو أنه يقول:
لا إله إلا الله؛ لأن هذه النواقض تفسد عليه دينه وتجعله بريئاً من الإسلام بهذه النواقض،
فينبغي للمؤمن أن ينتبه لهذا الأمر، فهكذا من ترك الصلاة وتساهل بها يكون كافراً وإن لم يجحد وجوبها،
في الأصح من قولي العلماء للأحاديث السابقة وما جاء في معناها.
فنسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين وأن يرد كافرهم إلى التوبة، ومن ذلك من ترك الصلاة
نسأل الله أن يهديه للإسلام ويرده إلى ما أوجب الله عليه من إقامة الصلاة،
وأن يمن عليه بالتوبة الصادقة النصوح والله المستعان. نعم.
سائل:
أثابكم الله، سماحة شيخنا، لا أدري هذا السائل ذكر أنه كفر هذا الشخص المعين،
يعني: أطلق عليه الكفر وهذا رد عليه بقول، ما أدري ما الحكم في هذا؟
الشيخ: نعم، قوله: من كفر مسلماً فقد كفر هذا إذا كان التكفير في غير محله،
كما قال النبي ﷺ: من قال لأخيه: يا عدو الله أو قال: يا كافر وليس كذلك إلا حار عليه
لكن هذا الذي قال له: أنت كافر في ترك الصلاة، قد وقعت في محلها قد وقع تكفيره في محله، فهذا يرجع إلى القائل،
فلا يكون قائله كافراً، بل القائل قد نفذ أمر الله وأدى حق الله وبين ما أوجبه الله من تكفير هذا الصنف من الناس،
فهو مأجور وليس بكافر، وإنما الكافر الذي ترك الصلاة وعاند وكابر، نسأل الله العافية.
يمكنكم متابعة برامج قناة الانسان و الموقع نور الاسلام
More Stories
زيارة الميت لأهله في الرؤيا هل تؤشر على موت أحدهم
هل تعلم أنه هناك الصحابة من الجن؟
حكم بيع العملة الأجنبية بهامش ربح