13 أكتوبر 2024

متى يجوز للإنسان ان يصلي جالسا

حكم الصلاة جاسا بسبب التعب والإرهاق

الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، والتي فرضها الله سبحانه على المسلمين في ليلة الإسراء والمعراج،

وهي أول ما يحاسب المسلم عليه يوم القيامة، حيث ترتبط جميع العبادات الأخرى بها،

فإن قبلت صلاته قبلت سائر هذه الأعمال وبالعكس، وهي فرض على كل مسلم بالغ عاقل،

ولها شروط وأركان وواجبات وسنن، ولا تسقط عنه إلا تحت ظروف وحالات معينة حيث يتم أداؤها حسب استطاعة الشخص.

كيفية الصلاة جالساً

على المسلم أن يؤدي الصلاة بجميع أركانها، إن استطاع أن يبدأ الصلاة قائماً فهذا واجب عليه،

لكن هناك من يصلُّون على الكرسي لعجزهم عن الركوع والسجود، فله أن يجلس وينحني عند الركوع والسجود

ويكون السجود أكثر انخفاضاً من الركوع، وإن كان يستطيع السجود على الأرض فوجب عليه ذلك.

أما كيفية الجلوس عند الصلاة فعلى المصلّي أن يجلس متربعاً ويكف الساق إلى الفخذ، ولو صلّى مفترشاً فجاز ذلك لأنَّ الجلوس متربعاً سنّة.

 حكم الصلاة جلوساً :

 بسبب التعب يعدّ القيام في أداء صلاة الفريضة ركناً من أركانها التي لا تصحّ إلّا بها لمن كان قادراً على الإتيان به

 ولذا فإن كان المسلم متعباً، أو مريضاً بالقدر الذي يعجزه عن القيام في أداء الفريضة، أو خشي أن يزيد مرضه، أو يتأخّر شفاؤه إن قام فيها؛

جاز له حينها أن يصلّي جالساً، أو وِفق الهيئة التي تناسب وضعه وحالته، ولا يجوز لمن كان قادراً على القيام بأموره الدنيويّة أن يجلس في صلاة الفريضة،

وفي ذلك قال ميمون بن مهران: “إن كان المصلّي غير قادرٍ على القيام لأموره الدنيويّة فليصلِّ جالساً”،

وقال بعض العلماء إنّه لا يشترط العجز التام للجلوس في الصلاة، ولكن لا تكفي لذلك أدنى مشقّةٍ أيضاً، بل لا بدّ من حصول مشقّةٍ معتبرةٍ لإباحة الجلوس في الصلاة،

أمّا في صلاة النافلة فيجوز للمسلم أن يصلّي جالساً بعذرٍ أو دون عذرٍ، إلّا أنّ صلاته جالساً دون عذرٍ تُنقص من ثوابه، فللجالس فيها نصف ثواب القائم.

أقوال العلماء في هذه المسألة :

  القيام في صلاة الفرض ركن لابد منه ، ولا يجوز لأحد أن يصلي قاعدا إلا عند عجزه عن القيام ،

أو في حال كون القيام يشق عليه مشقة شديدة ، أو كان به مرض يخاف زيادته لو صلى قائما .

فيدخل فيما ذكرنا : المُقْعَد الذي لا يستطيع القيام مطلقا ، وكبير السن الذي يشق عليه القيام ،

والمريض الذي يضره القيام بزيادة المرض أو تأخر الشفاء .

الأصل ما رواه البخاري

عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلَاةِ ،

فَقَالَ : ( صَلِّ قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ ) .

قال ابن قدامة رحمه الله :

” قال : ( والمريض إذا كان القيام يزيد في مرضه صلى قاعدا ) أجمع أهل العلم على أن من لا يطيق القيام له أن يصلي جالسا .

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين : ( صل قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنب ) .

رواه البخاري وأبو داود والنسائي وزاد : ( فإن لم تستطع فمستلقيا ، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) .

وروى أنس رضي الله عنه قال : سقط رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فرس فخُدِش أو جُحش شقه الأيمن فدخلنا عليه نعوده ،

فحضرت الصلاة فصلى قاعدا ، وصلينا خلفه قعودا . متفق عليه .

وإن أمكنه القيام إلا أنه يخشى زيادة مرضه به ، أو تباطؤ برئه (أي شفائه) ، أو يشق عليه مشقة شديدة ،

فله أن يصلي قاعدا . ونحو هذا قال مالك وإسحاق .

وقال ميمون بن مهران : إذا لم يستطع أن يقوم لدُنياه , فليصل جالسا . وحكي عن أحمد نحو ذلك “

أي من كان يستطيع القيام لمصالحه الدنيوية ، فيلزمه أن يصلي قائما ولا يجوز له القعود .

ثم قال ابن قدامة رحمه الله : ” ولنا قول الله تعالى : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) .

وتكليف القيام في هذه الحال حرج ؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جالسا لما جُحِش (أي جُرح) شقه الأيمن ،

والظاهر أنه لم يكن يعجز عن القيام بالكلية ، لكن لما شق عليه القيام سقط عنه ، فكذلك تسقط عن غيره …

وإن قدر على القيام ، بأن يتكئ على عصى ، أو يستند إلى حائط ، أو يعتمد على أحد جانبيه :

لزمه ؛ لأنه قادر على القيام من غير ضرر ، فلزمه ، كما لو قدر بغير هذه الأشياء ” انتهى من “المغني” .

قال النووي رحمه الله :

” أجمعت الأمة على أن من عجز عن القيام في الفريضة صلاها قاعدا ولا إعادة عليه ,

قال أصحابنا : ولا ينقص ثوابه عن ثوابه في حال القيام , لأنه معذور ,

وقد ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

( إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما ) .

قال أصحابنا : ولا يشترط في العجز أن لا يتأتّى القيام ، ولا يكفي أدنى مشقة ، بل المعتبر المشقة الظاهرة ،

فإذا خاف مشقة شديدة أو زيادة مرض أو نحو ذلك أو خاف راكب السفينة الغرق أو دوران الرأس صلى قاعدا ولا إعادة ” .

وبين الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ضابط المشقة التي تبيح ترك القيام في الفرض ، وصفة الجلوس ،

فقال : ” الضابط للمشقة : ما زال به الخشوع ؛ والخشوع هو : حضور القلب والطمأنينة ،

فإذا كان إذا قام قلق قلقا عظيما ولم يطمئن ، وتجده يتمنى أن يصل إلى آخر الفاتحة

ليركع من شدة تحمله ، فهذا قد شق عليه القيام فيصلي قاعدا .

ومثل ذلك الخائف فإنه لا يستطيع أن يصلي قائما ، كما لو كان يصلي خلف جدار وحوله عدو يرقبه ،

فإن قام تبين من وراء الجدار ، وإن جلس اختفى بالجدار عن عدوه ، فهنا نقول له : صل جالسا .

ويدل لهذا قوله تعالى : ( فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ) ، فأسقط الله عن الخائف الركوع والسجود والقعود ، فكذلك القيام إذا كان خائفا .

كيفة الجلوس :

يجلس متربعا على أليتيه ، يكف ساقيه إلى فخذيه ويسمى هذا الجلوس تربعا ؛

لأن الساق والفخذ في اليمنى ، والساق والفخذ في اليسرى كلها ظاهرة ،

لأن الافتراش تختفي فيه الساق في الفخذ ، وأما التربع فتظهر كل الأعضاء الأربعة .

وهل التربع واجب ؟

لا ، التربع سنة ، فلو صلى مفترشا ، فلا بأس ، ولو صلى محتبيا فلا بأس ؛

لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( فإن لم تستطع فقاعدا )

ولم يبين كيفية قعوده . فإذا قال إنسان : هل هناك دليل على أنه يصلي متربعا ؟

فالجواب : نعم ؛ قالت عائشة : ( رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي متربعا ) ،

ولأن التربع في الغالب أكثر طمأنينة وارتياحا من الافتراش ، ومن المعلوم أن القيام يحتاج إلى قراءة طويلة أطول

من قول : ( رب اغفر لي وارحمني ) فلذلك كان التربع فيه أولى ؛

ولأجل فائدة أخرى وهي التفريق بين قعود القيام والقعود الذي في محله ،

لأننا لو قلنا يفترش في حال القيام لم يكن هناك فرق بين الجلوس في محله وبين الجلوس البدلي الذي يكون بدل القيام .

وإذا كان في حال الركوع قال بعضهم : إنه يكون مفترشا ،

والصحيح : أنه يكون متربعا ؛ لأن الراكع قائم قد نصب ساقيه وفخذيه ، وليس فيه إلا انحناء الظهر

فنقول : هذا المتربع يبقى متربعا ويركع وهو متربع ، وهذا هو الصحيح في هذه المسألة ” انتهى من “الشرح الممتع”

ثانيا :

أما صلاة النافلة ، فيجوز القعود فيها من غير عذر ، إجماعا ، لكن أجر القاعد حينئذ على النصف من أجر القائم ؛ لما روى مسلم (1214)

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه قَالَ : حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :

( صَلاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلاةِ . قَالَ : فَأَتَيْتُهُ ، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي جَالِسًا ، فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى رَأْسِهِ ،

فَقَالَ : مَا لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو ؟! قُلْتُ : حُدِّثْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ قُلْتَ : صَلاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلاةِ ،

وَأَنْتَ تُصَلِّي قَاعِدًا ! قَالَ : أَجَلْ ، وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ ) .

قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : ” معناه أن صلاة القاعد فيها نصف ثواب القائم ، فيتضمن صحتها ونقصان أجرها .

وهذا الحديث محمول على صلاة النفل قاعدا مع القدرة على القيام ، فهذا له نصف ثواب القائم .

وأما إذا صلى النفل قاعدا لعجزه عن القيام فلا ينقص ثوابه بل يكون كثوابه قائما .

وأما الفرض فإن صلاه قاعدا مع قدرته على القيام لم يصح فلا يكون فيه ثواب بل يأثم به .

قال أصحابنا (الشافعية) : وان استحله كفر وجرت عليه أحكام المرتدين كما لو استحل الزنى والربا أو غيره من المحرمات الشائعة التحريم .

وإن صلى الفرض قاعدا لعجزه عن القيام أو مضطجعا لعجزه عن القيام والقعود ،

فثوابه كثوابه قائما ، لم ينقص باتفاق أصحابنا ،

فيتعين حمل الحديث في تنصيف الثواب على من صلى النفل قاعدا مع قدرته على القيام .

هذا تفصيل مذهبنا وبه قال الجمهور في تفسير هذا الحديث “.

وقال : ” وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( لست كأحد منكم )

فهو عند أصحابنا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ،

فجُعلت نافلته قاعدا مع القدرة على القيام كنافلته قائما تشريفا له ،

كما خص بأشياء معروفة في كتب أصحابنا وغيرهم ، وقد استقصيتها في أول كتاب تهذيب الأسماء واللغات ”

 يمكنكم متابعة برامج قناة الانسان و الموقع نور الاسلام