4 أكتوبر 2024

موقف الإسلام من ظاهرة الانتحار

ظاهرة الانتحار وموقف الإسلام منها

لقد ابْتُلِيَت الأمة بنَكبات كثيرة على مَرِّ الدهور والأزمان حتى يومنا هذا، وأشد أنواع النكبات التي قد تُبتلى بها الأمة أن يتسرَّب اليأس إلى القلوب،

وتتفرغ القلوب من الأمل واليقين، فيتخلص المرء من حياته عن طريق الانتحار،

ولقد ظهر في الآونة الأخيرة في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية جريمة تُعَد من أبشع الجرائم على الإطلاق، وهي جريمة الانتحار

 تعريف الانتحار:

 الانتحار هو قتل الإنسان نفسه، أو إتلاف عضو من أعضائه، أو إفساده أو إضعافه بأي شكل من الأشكال؛

مثل: الشنق، أو الحرق، أو تناوُل السموم، أو تناول جُرعة كبيرة من المخدرات، أو إلقاء نفسه في النهر،

أو قتْل نفسه بمأكول أو مشروب؛ وذلك لأسباب يعتقد صاحبها معها بأن مماته أصبح أفضل من حياته.

أعراض الانتحار:


هناك بعض العلامات التي تظهر على الشخص الذي يُقدِم على الانتحار؛ من أهمها:

* الاكتئاب:

والذي يعني الشعور بالحزن الشديد والتعاسة، والإحباط، والعجز وعدم القيمة، واليأس من الحياة ومِن تغيُّر الواقع.

* التغيرات المفاجئة في السلوك :

مثل: التغير في نمط النوم، أو نمط الطعام، والإهمال في الدراسة أو العمل، وإهمال الشخص لعلاقاته الاجتماعية ولمظهره الخارجي،

والتحدث عن الانتحار والموت بصورة غريبة، وفقْد الاهتمام بالأنشطة المعتادة والانسحاب منها، وفقْد المتعة في الأمور المحببة إليه،

والتحدث عن فقْد الأمل والشعور بالذنب أو اليأس، ونقد الذات، والقلق النفسي، والخمول والسوداوية، والانعزال والانطواء،

والحقد على المجتمع، والشكوى من الصداع، وقلة التركيز، والتخلُّص من المقتنيات الشخصية الثمينة.

*تعاطي المخدرات والمسكرات:

من الممكن أن يصل بالشخص أن يتعاطى المخدرات والمسكرات على أساس أنها ستخلصه مما هو به.

*القيام بأعمال المخاطرة المبالغ بها

*الامتناع عن اخذ دواء ضروري

أسباب الانتحار:

*ضعف الوازع الديني عند الإنسان

*عدم اكتمال المعنى الإيماني في النفس البشرية

*الجهل و الجزع و عدم الصبر

*الاستسلام لليأس و القنوط

*المشاكل الاقتصادية: كالفقر و البطالة

*الانفتاح الإعلامي و الثقافي غير المنضبط

*المشاكل الأسرية

*الفشل المتكرر

*الشعور بالذنب أو الوحدة

*المشاكل الصحية الخطيرة

موقف الإسلام من الانتحار:

هذا العمل كبيرة من كبائر الذنوب، وقتل النفس ليس حلاًّ للخروج من المشاكل التي يبثها الشيطان، والوساوس التي يُلقيها في النفوس،

ولو لم يكن بعد الموت بعث ولا حساب، لهانت كثير من النفوس على أصحابها، ولكن بعد الموت حساب وعقاب،

وقبر وظلمة، وصراط وزلة، ثم إما نار وإما جنة؛ ولهذا جاء تحريم الانتحار بكل وسائله؛ من قتْل الإنسان نفسَه، أو إتلاف عضو من أعضائه،

أو إفساده أو إضعافه بأي شكل من الأشكال، أو قتل الإنسان نفسه بمأكول أو مشروب؛

ولهذا جاء التحذير عن الانتحار بقول ربِّنا – جلَّت قدرته، وتقدَّست أسماؤه – حيث قال: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [النساء: 29، 30]،

وقال تعالى: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195]،

وقال تعالى: ﴿وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا *

يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾ [الفرقان:

القرآن يحذر من قتل النفس: ولهذا جاء التحذير عن الانتحار بقول ربِّنا – جلَّت قدرته، وتقدَّست أسماؤه –

حيث قال: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [النساء: 29، 30]،

وقال تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195]،

سنة نبينا صلى الله عليه وسلم تحذرنا من الانتحار: جاء التحذير في سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛

حيث روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قتَل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا،

ومَن شَرِب سُمًّا، فقتل نفسه، فهو يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تردَّى من جبل، فقتل نفسه، فهو يتردى في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا))؛ رواه مسلم.

فاحذر يا من تريد أن تقتل نفسك:


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الذي يخنق نفسه، يخنقها في النار، والذي يطعنها، يطعنها في النار))؛ رواه البخاري.

تحذير ووعيد آخر من رسولنا الكريم لمن يقتل نفسه:



عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن قتل نفسه بشيء في الدنيا، عُذِّب به يوم القيامة))؛ رواه البخاري (5700)، ومسلم (110).


وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح، فجزِع،

فأخذ سكينًا فحزَّ بها يده، فما رقَأ الدم حتى مات؛ قال الله تعالى: بادَرني عبدي بنفسه، حرَّمت عليه الجنة))؛ رواه البخاري (3276)، ومسلم (113).


خطاب الله لعباده عن الأمل فالأمل تَوْءَمُ الإيمان؛


قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].


وقد فتح جميع الأبواب أمامك، واسمع إليه سبحانه وتعالى في الحديث القدسي الجليل، فقد روى الترمذي وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه،

قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني، غفَرت لك على ما كان فيك ولا أُبالي، يا ابن آدم،

لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أُبالي، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقِيتني لا تُشرك بي شيئًا، لأتيتك بقُرابها مغفرة.


هذا خطاب الله لعباده، فإذا كنت عبدًا من عباد الله، فهذا النداء يخصك، فلا يتسرب اليأس إلى قلبك، فيدخل معه الكفر والعياذ بالله،

ولقد عاب النبي صلى الله عليه وسلم على الذين يُنفِّرون الناس، ويضعون الناس في موقع الدونية والهزيمة النفسية،

فقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (إذا قال الرجل: هلَك الناس، فهو أهلكهم)


علاج ظاهرة الانتحار:


*التربية الإسلامية الشاملة الواعية:


إن العودة إلى الدين أو التدين هي أفضل وسيلة للحماية من كل الأمراض النفسية التي تعاني منها البشرية جمعاء،

كما أن العودة للدين الإسلامي الحنيف هي العلاج الأفضل للحماية من هذه الأخطار التي تتهدد مجتمعاتنا وقِيَمنا.


*الحضور القلبي الدائم مع الله، والتعلق الشديد به سبحانه:



أو بمعنًى آخر: تحقيق قوله صلى الله عليه وسلم عندما سُئل عن الإحسان، فقال: ((أن تعبد الله كأنك تراه))؛ متفق عليه، وأخرجه البخاري ومسلم.


وهذا يحدث إذا ما استمر الإمداد الإيماني للقلب، فيزداد فيه النور، حتى يصير قلبًا سليمًا أبيضَ، والشعور الدائم برقابة الله تعالى،

فالذي يؤمن بالله يعلم ما تُوسوس به نفس الإنسان، وأنه مَحَّص عليه كل أعماله صغيرة كانت أم كبيرة، ومُحاسِبه على ما يُقدِّم –

لن يجرؤ على الإقدام على غير ما يرضي الله من أقوال أو أفعال، وسيكون في حَذَرٍ دائمٍ، ويقظةٍ لا تغفل عن المحاسبة،

ومن آثار ذلك: خضوع المشاعر والسلوك في مجمله لله عز وجل؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان))؛ حديث صحيح؛ أخرجه أبو داود، وصحَّحه الشيخ الألباني في صحيح الجامع.


*التربية الإسلامية الشاملة تتلخص في ثلاثة أهداف رئيسية:



وهو تمكُّن واستحكام اليقظة من القلب، فلا نريد يقظة لحظية، بل نريدها يَقظة حقيقية دائمة، تتمكن من القلب لتبدأ معها الحياة تدب في جَنباته.



ولقد أجمل آثارها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سُئل عن علامات دخول النور القلب، فقال:

((الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله))؛ رواه الطبري والبيهقي.


*ولادة القلب الحي

*إعلاء منظومة القيم الإسلامية

*حملات التوعية المجتمعية

*إحياء الروح المعنوية عن طريق بث الأمل في النفوس


وصايا للمربين وأولياء الأمور والأصدقاء الأوفياء:


أيها الأحبة الكرام، هذه وصيتنا للمربين تتلخص في ثلاثة نقاط:


أ- الإنصات للأشخاص المقربين والأصدقاء والأبناء، ومَن يمرون بظروف صعبة، والتواصل العاطفي معهم،

وعدم الضغط على الأبناء بخصوص التحصيل الدراسي، وعدم مقارنتهم بآخرين أو انتقادهم المستمر، أو إحراجهم والاستهزاء بهم.


ب- محاولة تفهُّم الظروف والأسباب التي قد تدفع بعض أفراد المجتمع إلى محاولة الانتحار،

ومِن ثَم العمل على مَدِّ يد العون لهم، ومساعدتهم في حلِّها، وبذلك يتم القضاء على أسباب هذه الظاهرة ودواعيها بإذن الله.



ج- معالجة الأمراض النفسية والاضطرابات لدى الفرد؛ كالاكتئاب، والفصام، والإدمان، فلا يجب إخفاء أو إهمال ما يَظهر على الفرد من اضطرابات سلوكية غير مألوفة،

فيجدر بعائلة المريض التوجه إلى الطبيب النفسي أو المختص لعلاجه، وإدخاله المصحة النفسية إن لزم الأمر،

وعدم الخجل أو انتظار تفاقم الحالة، ووصيتي للشباب ومَن تُسوِّل له نفسه بالإقدام على هذا الفعل الشنيع.


عظِّموا رجاءكم بالله، وأيقنوا برحمته سبحانه التي وسعت كل شيء، وجدِّدوا صلتكم بالله، ‏وأكثروا من الطاعات،

والجؤوا إليه سبحانه بالدعاء والتضرع أن يصرف عنكم السوء، وأن ‏يحبِّب إليكم الإيمان، وأن يُزينه في قلوبكم،

وأن يُكرِّه إليكم الكفر والفسوق والعصيان، وأن ‏يجعلكم من الراشدين، وتفاءَلوا بالخير تَجدوه،

واعلموا أن الحياة نعمة عظيمة أنعم الله بها عليكم، وفرصة لا يمكن ‏تعويضها، فاغتنموها في العمل الصالح؛

حيث به تَحْيَوْن حياة كريمة؛ كما قال تعالى:

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].


واعلموا أن كل شيء ممكن وليس هناك مستحيل، وأنكم مَن تصنعون الظروف، لا الظروف التي تصنعكم،

فكونوا متفائلين وإيجابيين، وهو ما يُشير إليه قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].


ويقول الإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله: “لو أن رجلًا وقف أمام جبل وعزَم على إزالته، لأزَاله”،

ويكفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خير الناس مَن طال عمره وحسُن ‏عمله، وشر الناس من طال عمره وساء عمله))؛ رواه أحمد والحاكم، والترمذي وصحَّحه.


نسأل الله تعالى أن يحفظنا جميعًا من كل شرٍّ، وأن يُوفِّقنا إلى طاعته، وأن يرزقنا حياةً طيبةً، وأن يختم لنا بخاتمةٍ حسنة، وصلى الله وسلم على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

يمكنكم متابعة برامج قناة الانسان و الموقع نور الاسلام