11 ديسمبر 2024

الفرق بين الغيبة والنميمة وعظم اثمهما

الفرق بين الغيبة والنميمة وعظم اثمهما

الفرق بين الغيبة والنميمة

عرّف العلماء الغيبة بأنّها اسم من اغتاب اغتياباً، أي إذا ذكر الإنسان أخاه بما يكره من العيوب وهي فيه، وإذا لم تكن فيه فهو البهتان، وذلك كما في الحديث:” قيل ما الغيبة يا رسول الله؟ فقال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته “، رواه مسلم.

الغيبة :

وإنّ الغيبة في الإسلام محرّمة، وذلك في القرآن الكريم، والسّنة النّبوية، والإجماع، وقد اعتبرها العلماء من الكبائر، وقد شبّه الله تعالى الإنسان المغتاب بالذي يأكل لحم أخيه ميتاً، فقال سبحانه وتعالى:” أيحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه “، الحجرات/12 وأمّا الهمز واللمز فهذان قسمان من أقسام الغيبة المحرّمة، فالهَّماز بالقول، واللمَّاز بالفعل، قال الإمام الغزالي:” الذّكر باللسان إنّما حُرِّم لأنّ فيه تفهيم الغير نقصان أخيكَ، وتعريفه بما يكرهه، فالتعريض به كالتصريح، والفعل فيه كالقول، والإشارة والإيماء والغمز والهمز والكتابة والحركة، وكلّ ما يُفهم المقصود فهو داخل في الغيبة، وهو حرام “، ومن ذلك قول عائشة رضي الله عنها:” دخلت علينا امرأة فلمّا ولت أومأت بيدي: أنّها قصيرة، فقال عليه السّلام: اغتبتها “، أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الغيبة.

النميمة :

وأمّا النّميمة فتعني أن يسعى الإنسان إلى ايقاع الفتنة بين النّاس والوحشة، كأن ينقل كلاماً بين صديقين، أو زوجين مثلاً، ليفسد الأمور بينهما، بغض النّظر إن كان ما نقله صحيحاً أم لا، أو باطلاً أو كذباً، أو كان قاصداً أن يفسد بينهما بذلك أم لا، لأنّ العبرة تكون بما يؤول إليه الأمر في النّهاي، فإذا أدّى نقله للكلام إلى إفساد ذات البين بين النّاس فيعتبر بذلك نميمةً، والنّميمة محرّمة بالكتاب والسنّة والإجماع، فأمّا الكتاب ففي قوله سبحانه وتعالى:” همّاز مشّاءٍ بنميم “، القلم/11. وأمّا في السنّة فقد مرّ النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – بقبرين فقال:” إنّهما يعذّبان وما يعذّبان في كبير، أمّا أحدهما فكان يمشي بالنّميمة، وأمّا الآخر فكان لا يستتر من البول “، متفق عليه، وروى أبو داود والترمذي وابن حبّان في صحيحه، عن أبي الدرداء أنّ النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – قال:” ألا أخبركم بأفضل من درجة الصّيام والصّلاة والصّدقة؟ قالوا: بلى، قال: إصلاح ذات البين، فإنّ إفساد ذات البين هي الحالقة “، وأمّا الإجماع فقد قال ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر:” قال الحافظ المنذري أجمعت الأمّة على تحريم النّميمة، وأنّها من أعظم الذّنوب عند الله عزّ وجلّ “.


علاج الغيبة والنميمة

 على الإنسان أن يتأمّل في نفسه، وينظر إلى السّبب الذي بعثه على الغيبة، وبالتالي يقطعه، لأنّ علاج كلّ علةٍ يكون من خلال قطع سببها، ففي حال وقع العبد في الغيبة والنّميمة، فإنّ عليه أن يرجع إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يتوب إليه، وأن يتحلل من الشّخص الذي اغتابه، ففي الحديث عن النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – قال:” من كانت له عند أخيه مظلمة من عرضه أو شيء فليتحلله اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه “، متفق عليه، وفي حال خشي الإنسان على نفسه من الشّخص الذي اغتابه، ولم يستطع أن يتحلل منه، بالصّلح والألفة، فعليه أن يدعو له، وأن يذكره بما فيه من الخير في مجالسه التي اغتابه فيها. وقد أباح الشّارع للمسلم الغيبة في حالات محدّدة، وذلك من باب الدّخول في أخفّ المفسدتين، وذلك دفعاً لأعظمهما وهي إمّا التظلم، وبالتالي يجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السّلطان أو إلى القاضي، وغيرهما ممّن يملك الولاية، أو يقدر على إنصافه من ظالمه، أو أن يستعين بالغيبة على تغيير المنكر، أو وردّ العاصي إلى الصّواب، أو الاستفتاء، وذلك بأن يقول للمفتي ظلمني فلان أو أبي أو أخي بكذا فهل له كذا؟ وما طريقي للخلاص ودفع ظلمه عني؟، ومن ذلك أيضاً تحذير المسلمين من الشرّ، مثل جرح المجروحين من الرّواة والشّهود والمصنّفين.

كفارة الغيبة والنميمة

 هناك الكثير من الأدلة على عظم شأن اللسان ووجوب تعاهده وصيانته، ومن ذلك أن يستحضر العبد أنّ كلّ ما يقوله مسجّل عليه، ومحصاة في كتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصّاها، قال سبحانه وتعالى:” مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ “، ق/18، وهناك الكثير من النّصوص التي حذّرت من عواقب اللسان، وأنّه أكثر ما يكبّ النّاس في النّار على وجوههم بسببه، وأمرت بحفظه وإمساكه عن السّوء، قال أبو زكريا النووي:” اعْلَمْ أنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَحْفَظَ لِسَانَهُ عَنْ جَميعِ الكَلامِ إِلاَّ كَلاَمًا ظَهَرَتْ فِيهِ المَصْلَحَةُ، ومَتَى اسْتَوَى الكَلاَمُ وَتَرْكُهُ فِي المَصْلَحَةِ، فالسُّنَّةُ الإمْسَاكُ عَنْهُ، لأَنَّهُ قَدْ يَنْجَرُّ الكَلاَمُ المُبَاحُ إِلَى حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ، وذَلِكَ كَثِيرٌ في العَادَةِ، والسَّلاَمَةُ لا يَعْدِلُهَا شَيْءٌ “. وبالتالي فإنّ من لم يستطع أن يضبط لسانه فهو واقع في شرّ عظيم، وإنّ السّخرية من النّاس واغتيابهم هو من آفات اللسان، وهذا ما نهانا عنه الله سبحانه وتعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلّم، قال سبحانه وتعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ *يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ “، الحجرات/11ـ12.

يمكنكم متابعة برامج قناة الانسان و الموقع نور الاسلام