تعتبر المعاهد الإسلامية في إندونيسيا من أعرق وأهم المؤسسات التعليمية في البلاد، حيث تلعب دورًا محوريًا في الحفاظ على الهوية الإسلامية وتعزيز القيم الدينية والثقافية. تنتشر هذه المعاهد في مختلف أنحاء إندونيسيا، لتكون بذلك حاضنة للعلم والتربية الإسلامية، ومركزًا لتكوين الأجيال الواعية والمتشبعة بروح الإسلام السمحة.
بقلم: وفاء الطرابلسي
عندما حصلت اندونيسيا على استقلالها عام 1945، لم يكن التعليم أولوية بالنسبة الى الأمة الفقيرة. لم يكن بمقدور الحكومة أن تقدم التعليم مجانا لشعب غالبيته غير قادر على دفع التكاليف. في الأثناء دخلت المدارس الدينية على الخط، فجمعت المال وحشدت المصلين لحضور مدارسها.
وبعد أكثر من 70 عاما، باتت المدارس الدينية في اندونيسيا من أكبر المستفيدين من النمو الاقتصادي، حيث زادت الحكومة من استثماراتها في التعليم، بما في ذلك المدارس الدينية، وأدت هذه الاستثمارات إلى تحسين البنية التحتية وتوفير مكان لائق للدراسة وموارد تعليمية أفضل.
واكتسبت فيما بعد هذه المعاهد سمعة طيبة سواء داخل اندونيسيا وخارجها وذلك لالتزامها بالوسطية والابتعاد عن الأفكار المتطرفة باعتبارها تسلك طريق القرآن والسنة فقط وليس طريق التيارات الفكرية المتشددة.
أدى هذا النمو الاقتصادي إلى زيادة دخل الأسر، مما سمح للعديد من العائلات بتقديم دعم مالي أكبر لهذه المعاهد، سواء من خلال التبرعات أو دفع الرسوم الدراسية السنوية، فقد تزايد الطلب على التعليم الذي يجمع بين المعرفة الدينية والمهارات الحديثة، ما جعل المدارس الدينية وجهة مطلوبة للتعليم عالي الجودة للإندونيسيين من أبناء الطبقة المتوسطة، في المدن الكبرى.
مدارس تزرع قيم وتحصد أخلاق معهد دار السلام ببانيواني، هو من أشهر المعاهد الإسلامية بإندونيسيا، تأسس في 15 يناير/ جانفي 1951، كان مسجدا صغيرا بناه الشيخ الحاج مختار شفاعة، كان المبني من شجر البامبو والأعشاب بمساحة 5*7 متر مربع وكان يسمى بمسجد دار السلام، وسجل رسميا كمؤسسة في وزارة الشؤون الدينية المركزية سنة 1978 باسم مؤسسة معهد دار السلام.
في حوارنا مع د. عبد الخالق شفاعة ابن أخ مؤسس المعهد وأستاذ به، أكد على أن الهدف من التربية والتعليم في المعاهد الدينية هو إعداد أجيال حاملة لأخلاق كريمة وعقول سليمة من اجل خدمة الوطن وبناء أندونيسيا الرائدة عالميا.
وأضاف د. شفاعة: “نحن نؤطر الطلبة في المعهد بالعلوم العقلية والعلوم الدينية، حيث يمكث الطلبة في سكن المعهد ستة سنوات ويتم تعليمهم العمل الجماعي والتعاون والاحترام كأخلاق أساسية في الحياة.
“ويؤكد على أن المعهد يهتم بالتطورات التكنولوجيا الحديثة، حيث يتم تأهيل وتوعية الطلبة بكيفية استعمال مواقع التواصل الاجتماعي لخدمة الدين والوطن لا لأغراض أخرى تضيع أوقاتهم وتدمر مستقبلهم.
ويختم د.شفاعة قوله بأن المعاهد الدينية في اندونيسيا لها دعم كبير من الشعب من حيث التمويل، بالتالي يمتلك المعهد الاستقلالية المالية وهذا ما يجعلنا نركز على خدمة الدين والوطن كهدف أساسي.
إن رسالة معهد دار السلام هي بناء مؤسسة تعليمية تتفوق بالكفاءة الأكاديمية والحضارية والإسلامية، مع توفير علوم دينية صحيحة بعيدة عن التطرف، وذلك لخلق شباب يحمل مبادئ الإسلام الصحيحة.
قصة نجاح من المعاهد الإسلامية إلى السلك الدبلوماسي
يروي سفير اندونيسيا بتونس زهيري مصراوي قصته مع المعاهد الإسلامية ببلده، حيث وصف تجربته بالشيقة والقيمة داخل أسوار المعاهد الإسلامية الأندونيسية.
يقيم سفير أندونيسيا في تونس منذ أكثر من سنتين، شخصية متعددة الأبعاد، إذ يجمع بين الدور الديبلوماسي والمفكر والكاتب، وذلك بفضل خلفيته التعليمية في المعاهد الإسلامية، متحصل على ماجستار من جامعة الأزهر تخصص فلسفة إسلامية.
أثناء حديثه عن معهد الأمين ببلدية سومنب تحديدا بجاوة الشرقية، وهو المعهد الذي نهل منه العلوم وتتلمذ فيه، يقول مصراوي: ” منذ الصغر أعشق الدراسة والقراءة والعلم، حيث تعلمت ولا زالت أتعلم العلوم الدينية والعلوم العقلية بشغف كبير، كما أني عشقت اللغة العربية وتعلمتها بإتقان.
“يضيف زهيري مصراوي:” اخترت الدراسة في معهد الأمين الإسلامي لأنه من أحسن المعاهد بالبلدية التي أقطن فيها، فقد تعلمت العمل الجماعي، التآخي، الرحمة، كما تربيت هناك على الأخلاق الكريمة ما ساهم في صقل شخصيتي نحو الأفضل، واكتساب قيم روحية عالية.
” يختم حديثه قائلا:” بفضل المعاهد الدينية تعلمت كتابة المقالات، حيث كتبت آلاف المقالات الصحفية، وألفت 14 كتابا في مختلف المجالات، ومازالت إلى الآن أكتب في الصحف والمجلات الأندونيسية والعالمية.”تهدف هذه المعاهد بتنوع أسماءها وأماكنها إلى تربية جيل يحمل الأصالة حتى يتسنى له تقديم خدمات جليلة للأمة من بناء مشاريع وتنمية ونهضة بالعقول، فالمعاهد الإسلامية حسب تصريح أغلب الأساتذة التي فيها من أول يوم تأسست فيه وضعت نصب عينيها أن التربية أهم من التعليم.
رحلة المعرفة بين تونس وإندونيسيا
إدريس الرفاعي، طالب إندونيسي مقيم بتونس
متحصل على الماجستار من جامعة الزيتونة، تتلمذ في المعهد الإسلامي “الحكمة” في ولاية لامبونغ بجزيرة سومطرة.يقول إدريس عند حديثه عن معهده:”
كان المعهد الإسلامي يربينا على جانب الظاهر وكذلك على الباطن، كنت أتعلم الأخلاق من الجانب النظري والتطبيقي.
“ويضيف إدريس عند حديثه عن جامعة الزيتونة:” كنت أحلم بالدراسة في جامعة الزيتونة، وكنت قارئا لكتاب التحرير والتنوير للشيخ العلامة محمد الطاهر بن عاشور وجميع مؤلفاته، لقد تأثرت بها جدا.
“ويصف إدريس جامعة الزيتونة بأنها منارة العلوم الشرعية، حيث إعتبر نفسه محظوظ عندما درس فيها، فقد درس العلوم المستنيرة ميراث العلامة الطاهر بن عاشور وفاضل بن عاشور وسائر المشائخ بجامع الزيتونة.
تعد المعاهد الإسلامية في إندونيسيا صروحا تعليمية ساهمت في تشكيل قادة ومستشارين في مختلف المجالات، تجسد العلاقة بين هذه المعاهد وتونس جسرا ثقافيا ودينيا يربط بين البلدين، حيث يتبادل الطلاب والأساتذة المعرفة والخبرات، مما يعزز من أواصر التعاون ويعمق الفهم المشترك بين الشعبين.
هذه العلاقة القائمة على القيم الإسلامية المشتركة تظل نموذجا يحتذى به في تعزيز الوحدة والتواصل بين الأمم.
More Stories
شرطة ليبيا تحظر كافة مظاهر الاحتفال وتداهم معامل الحلويات ومحلات الهدايا
إسرائيل تقرر هدم مسجد الإسراء في القدس
زلزال بقوة 4,9 درجات يضرب الجزائر